سعيد بنسعيد العلوي
كاتب واكاديمي مغربي

إشكالية التأخر المزدوج

وعي «التأخر المزدوج» هو ما نجد أنه، من جهة النظر التي نصدر عنها، يعبر أفضل تعبير عما كان يشغل مفكرينا العرب في الفترة التي يتواضع الدارسون على نعتها بعصر النهضة. والقصد بعصر النهضة (والبعض يتحدث عن اليقظة - باعتبارها الحال التي تعقب النوم) هو مرحلة الإنتاج الفكري العربي التي تمتد بين ثلاثينات القرن التاسع عشر وستينات القرن الماضي. وقد يجوز الحكم أيضا بأنها تشمل مجموع القرن العشرين لأسباب تتصل بطبيعة الإنتاج الفكري.

القضية الأولى: الدين والسياسة

لعل الدرس الأول الذي نرى استخلاصه أمرا طبيعيا، الآن وقد مرت سنوات ثلاث كاملة على حركة الانتفاض التي عرفها الشارع العربي في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، والمغرب (على نحو مختلف مثلما عرف بدايات فعل في مناطق أخرى من العالم العربي) هو أن الدين، في صلته بالسياسة، لم يعد يطرح في صورة قضية من بين قضايا أخرى يستدعي الوجود العربي المعاصر التفكير فيها، بل إنها - في واقع الحال - تمثل في الوعي العربي الإسلامي المعاصر بحسبانها القضية الأساس. والقول إنها القضية الأساس قول يعني أنها تكتسب صفة القضية التي تجعل قضايا أخرى، ليست بالضرورة أقل أهمية، تدور في فلكها.

الإسلام السياسي والمواطنة

شغل «الإسلام السياسي» من «الجنادرية» في دورتها الحالية (الـ29) مكان الصدارة، فقد امتد مجال القول في الموضوع لأربع جلسات مضنية، تعاقب على القول فيها عدد غير قليل من الخطباء من مختلف أصناف المعرفة (رجال الفقه والشريعة، فلاسفة، مناطقة، صحافيون نابهون، أصحاب الممارسة السياسية الفعلية ممن شغلوا في البلد الذي ينتسبون إليه مناصب قيادية... وآخرون منهم لما يلحقوا بهم).

اللائيكية لا العلمانية

لم يكن علماء العرب القدامى، أيام عصر ازدهار بيت الحكمة وكذا عند المتنورين في العصور اللاحقة (كما هو الشأن عند ابن خلدون ومن يماثله)، يتورعون من الاحتفاظ بالمصطلحات الأجنبية التي لا يطمئنون إلى مقابلاتها في اللسان العربي. لذلك فنحن نجد في كتاباتهم ذكرا لألفاظ مثل «الأرثيماطيقا»، «الملانخوليا»، «البويطيقا». وهذه الملاحظة تتأكد لنا، في صورة أفضل، متى رجعنا إلى ما كتبه مفكرونا العرب في المرحلة التي نتواضع على نعتها بعصر النهضة - أي تلك التي أعقبت «اكتشاف الغرب»، أو تلك التي تبين فيها مدى ما أصبح عليه العالم العربي من تأخر في مقابل تقدم هذا الغرب.

الترجمة.. تعريبا

تسرني تعليقات السيدات والسادة القراء على ما يكتب في صفحة الرأي من «الشرق الأوسط». والحق أنني، شخصيا، أفيد منها الفائدة البالغة متى كانت تنبيها إلى خطأ أو إغناء بإضافة تنويرية. إنها في الحالتين معا تشعر بوجود الفاعل المحبب المطلوب الذي يجعل من الكتابة فعلا يتجاوز الفرد ليغدو مشاركة في إنتاج الأفكار، فيكسب الكتابة ذاتها معنى ومذاقا طيبين. وتعليقا على مقالتي في الأسبوع الماضي (أشجان التعريب والترجمة)، كتب السيد طلال خلاف أسطرا، أحبذ إعادة كتابتها، تعميما للفائدة من جهة واستنادا إلى ما اعتبره فيها إضافة تمكنني من مزيد بلورة وتوضيح ما أريده من حديث التعريب والترجمة.

أشجان التعريب والترجمة

تعني الترجمة، في المعنى الاصطلاحي المتعارف عليه، نقل نص أو قول من لغة إلى أخرى. ونقول في المعتاد، عن نص أو كلام ينقل إلى لغة الضاد من لغة غير اللغة العربية، إنه تعريب. والرغبة في الترجمة تنبع من الحاجة إلى التواصل بين الأفراد والجماعات، كما تأتي من الحرص على توسيع المدارك المعرفية، بحيث يكون في الإمكان أن نجعل بين يدي المتعلم معارف وأنباء وحكايات تمت صياغتها في غير لغة الشخص الذي تتم الترجمة من أجله. لا يملك فكر ما أو معرفة ما حظوظ الانتشار إلا بالقدر الذي يتاح فيه نقل ذلك الفكر أو تلك المعرفة إلى لغة غير تلك التي تمت الكتابة بها أو كان ابتكار المعرفة فيها وبواسطتها.

الصين أولا.. الصين آخرا

يدافع فرانسيس فوكوياما في كتابه الأخير (مقالة الأسبوع الماضي)، في جملة ما يدافع عنه، عن فكرة مفادها أن الدولة في معناها الحديث - ذاك الذي يرسم له فقهاء الفكر السياسي مجموعة من الملامح ويحددون له جملة من الصفات المعلومة - قد ظهرت في التاريخ أول ما ظهرت في الصين. وإذن، فإن الصين هي الدولة «الحديثة» الأولى، من حيث هي سلطة مركزية قارة تبسط نفوذها على رقعة ترابية معلومة الحدود، دولة لا يدين المنتسبون إليها بالولاء إلى الأسرة ولا إلى العشيرة، وإنما الولاء يكون لهذه السلطة المجردة عن الطابع الشخصي.

التاريخ بين البداية والنهاية

قبل أزيد من 20 سنة، سنوات قليلة قبل سقوط جدار برلين، أصدر فرانسيس فوكوياما، الباحث السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد حاليا، كتابه «نهاية التاريخ». بعد صدور ذلك الكتاب الذي حظي بشهرة واسعة ونقل إلى كبريات لغات العالم وبيعت منه عدة ملايين من النسخ، أصدر صديق فوكوياما المذكور وأستاذه صامويل هنتنغتون كتابه الذي ستطبق شهرته الآفاق وسيشغل الناس ما يربو على العقد الكامل من الزمان: «صدام الحضارات».

وثيقة الاستقلال في ذكراها السبعين

في ذاكرة الشعوب تواريخ تفيض بالدلالات وتنضح بالعبر، وفي الوقوف عند الذكريات التي يحملها يوم معلوم من السنة استمداد من زاد معنوي طبيعي وضروري للفعل، وإذكاء للوعي الجماعي بالانتماء إلى الوطن والأمة معا. وفي الوعي الوطني المغربي، يمثل تاريخ 11 يناير (كانون الثاني)، استحضارا لمثيله من عام 1944، حاملا لكل هذه الدلالات والمعاني. وإذ نود، في حديثنا اليوم، أن نقف وقفة تفكر في دلالة الذكرى اليوم - في ضوء ما يعيشه المغرب من أحداث تشي ببوادر نقلة نوعية في الوعي الجماعي - نرى من اللازم أن نتذكر التاريخ المشار إليه، تاريخ تقديم وثيقة المطالبة باستقلال المغرب. فما معنى تلك المطالبة، في السياق المغربي؟

المنظومة التعليمية في المغرب

بين القضايا الحيوية الكبرى التي شغلت المغاربة في العام الذي ودعناه قبل أيام قليلة (التشغيل، بطالة الشباب خريجي الجامعات، الإدارة ووجوب إحداث نقلة نوعية فيها، الصحة..) يحتل التعليم مكانة محورية. وأغلب الظن أن الشأن سيكون كذلك بالنسبة للسنة الحالية، وليس هذا رجما بالغيب ولا توقعا قد يخطئ أو يصيب، بل إنه ترقب لتنفيذ برنامج شامل أتت الدعوة إليه من أعلى سلطة مسؤولة في البلاد، إذ إن الملك جعل من خطاب رسمي موجه للشعب المغربي تعبيرا عن الهم الجماعي الذي يجده المغاربة في التعليم المغربي من جوانب الضعف والقصور.