فوزية سلامة

شربة ماء

رُوي عن أحد الحكام أنه سُئل عن أمر يجعله يتنازل عن نصف ملكه، فقال: شربة ماء إن كنت شديد الظمأ. تلك هي أهمية الماء الذي نشربه ونغتسل به ونصطاد السمك من أعماقه ونسبح فيه ونطهو الطعام بمعونته. ندرته تؤدي إلى الجفاف، والجفاف يؤدي إلى المجاعات والأمراض. قوة دفعه مولدة للطاقة، ولكنها يمكن أن تؤدي إلى الفيضانات وتدمير الحدود والسدود والبيوت. ولا يمكن للحياة أن تستمر من دونه. وربما لتلك الأسباب ابتهج العالم حين اكتُشف الماء على سطح كوكب المريخ. الماء سائل لا لون له ولا طعم ولا رائحة، موجود أينما نظرت.

حكاية بنت اسمها شيماء

أرسل لي صديق مقيم بالولايات المتحدة رسالة مرفقا بها موضوع صحافي منشور في مجلة أميركية عن بنت مصرية اسمها شيماء. أبقتني الرسالة ساهرة، أفكر في الأرقام والإحصاءات التي تغزو عقولنا وقلوبنا وتوهمنا بأننا كعرب ومسلمين أفضل من غيرنا. فالأرقام التي تطالعنا بها المطبوعات في الغرب تفيد بأن نصف مليون فتاة من أوروبا الشرقية يقعن ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر. أدواتهم في الإيقاع بالضحايا وعود بالثروة والنجاح في بلاد أخرى.

قهوة المستر ديفيز

ما زلت أتذكر وجه المستر ديفيز.. كانت ملامحه هادئة لا تكشف أبدا عما يعتمل في دواخله.. شعره أشيب وبشرته مغضنة تنبئ عن عمر طويل.. التقينا في مكاتب «دارنا للنشر» التي أسسها الأستاذ رشاد الهوني، طيب الله ثراه. وكان رشاد الهوني من طلائع الناشرين الذين دفعت بهم الحرب الأهلية في لبنان إلى لندن وباريس لممارسة المهنة التي أسرتهم، وهي نشر الصحف والمجلات. وكان يعد لنشر صحيفة «العرب» بأن أطلق حملة إعلان عن وظائف صحافية في أول جريدة عربية تصدر في لندن..

غطرسة القوة

التفسير اللغوي للحضارة هو أنها حالة انتماء لمجتمع قطع أشواطا كبيرة في الفكر والثقافة والتنمية فتحقق له التقدم في العلوم والفنون والذوق الراقي.

اشتقت إليك

هل سألت نفسك يوما ماذا يبكيك؟ ما الذي يحرك في نفسك الحزن والشجن فتفعل الغدد الدمعية فعلها؟ لقد حاولت أن أفك هذا اللغز ففشلت؛ لأنني أبكي أحيانا من الفرح، وقد أبكي لذكرى عزيز رحل، ولذلك وسعت دائرة البحث وفتشت في ذاكرتي عن مواقف أبكت غيري لعل هذا القدر من الحياد يوصلني إلى الإجابة التي أبحث عنها. وليتني ما فعلت. فقد تمثل أمامي وجه أبي الذي لم أره باكيا إلا مرة واحدة، وكان ذلك يوم سفري من الوطن للدراسة في الخارج. ولا أنكر أن لتلك الذكرى لسعة مثل لسعة عقرب سامة، إن لم تسرع بعلاجها قتلتك.

غربال الدنيا

قرأت اليوم جانبا مما كتب عن العقل الباطن، وببساطة شديدة فهمت أنه الغربال الذي يغربل كل المعلومات والانطباعات والتجارب التي تدخل من بوابة الوعي. وفهمت أيضا أن العقل الباطن صديق يجب عدم الاستهانة بصداقته. وظيفته الأساسية هي الغربلة وتصنيف المعلومات حسب الأهمية والأولوية التي تؤمن للعقل الواعي السلامة وشيئا من الراحة من زحمة المعلومات. أما دافعي للتعرف على وظائف العقل الباطن فقد بدأ منذ أيام حين زرت المستشفى الذي أكملت فيه علاجا مطولا على مدى عام. خلال العام كنت أزور المستشفى يوميا.

سنة حلوة

لماذا يفرح الناس في نهاية عام وبداية آخر؟ لماذا يغنون ويرقصون ويتقاسمون الطعام ويقبل بعضهم بعضا؟ هل يحتفلون بالخلاص من آلام وأوجاع وأحزان خلفها العام المنتهي؟ هل كان العام المنتهي جملة طويلة معقدة لم نستطع أن نفك ألغازها أو نلم بمعانيها؟ فالأفضل إذن أن نضع بعدها نقطة ونبدأ من أول السطر. الصديق يسأل الصديق، ما هي أمانيك في العام الجديد؟ وما هو القرار الذي اتخذته ولن تحيد عنه هذا العام؟ الأماني تختلف من شخص إلى آخر. كل شخص ينشغل بأمنية ثم يضعها جانبا ويجرفه إيقاع الأيام فتبدأ الجملة حرفا بعد حرف، فهذا هو طعام الإفطار يعقبه استعداد للخروج إلى العمل. أحدهم قد يحيّي زميلا فيتجاهله.

وشهد شاهد...

أكذب لو قلت إنني لا أنظر إلى صورتي في المرآة فتصدر مني تنهيدة ويسبق كفي عقلي المفكر فأجذب إلى أعلى بشرة الوجه لتختفي تجاعيد خلفها الزمن وفقدان الوزن. وسرعان ما يسترد العقل الواعي قدرته على وزن الأمور بميزان الواقع. فلا تجعيدة هنا تعوقني، ولا أخرى هناك تفسد قدرتي على العمل أو تفقدني شهيتي للطعام ولا تبطل مفعول حب أسرتي وولاء الأصدقاء.

ما ليش في السياسة

بداخلي عدة أصوات لا صوت واحد. كل صوت يمثل جانبا من مكوناتي كإنسان. كل صوت يمثل مرحلة عمرية مختلفة ويحمل في نبراته موروثا تربويا أو مكتسبات فكرية تراكمت على مر السنين. هذا الصباح اختلطت تلك الأصوات في رأسي حين همس صوت قائلا: هل لاحظت أن نجاح الصين في آخر مغامراتها على سطح القمر مر من دون أن يغطيه الإعلام الصيني باستفاضة؟ الصين تعمل بهدوء شديد. وعلى الفور تذكرت أن الصين استعمرت أسواق العالم بصادراتها بهدوء حقا..

فوق السحاب

اسألني من أكون أقول لك إنني محصلة ما علمتني إياه التجارب وما اختزنته ذاكرتي منها. كنت وما زلت أتحاشى أي مؤثرات خارجية يمكن أن تسلبني القدرة على السيطرة على ملكاتي الذهنية. ولذلك قبلت في الماضي تحديا من زملائي في الجامعة لحضور جلسة تنويم مغناطيسي يقوم فيها خبير التنويم بالسيطرة الكاملة على جمهور الحاضرين بحيث يأمرهم بالقيام بأفعال كوميدية فيفعلون ما يؤمرون به بلا مناقشة. ثم يوحي لهم «القائد» بأن يفيقوا من حالة التنويم عندما يصفق بيديه ويعد من الواحد إلى ثلاثة.