فوزية سلامة

دعاء وإيمان

سألني زوجي ماذا أتمنى في الفترة المقبلة لكي يساعدني على تحقيق أمنياتي. ودون تفكير قلت إنني لا أتمنى سوى الشفاء؛ شفاء لا سقم بعده، وبما أنني لا أملك الأدوات التي تحقق الأمنية فلا يسعني سوى الدعاء. غير أنني اكتشفت في الفترة الأخيرة أن الدعاء الصادق مستجاب، فقد دفعني الشوق والإحساس بالواجب إلى زيارة الوطن مؤخراً لكي أجتمع بأسرتي فيروني في حالة طبيعية حيث إنني ما زلت مقبلة على الحياة والعمل وزيارة الأحباء والأصدقاء.

القوت والقات

لقاء عابر في بهو فندق بيروتي جمعني بسيدة يمنية استقبلتني بحفاوة غمرتني من قمة رأسي إلى أخمص قدمي، بحيث لم يداخلني شك في أنها حفاوة طيبة من قلب طيب. كما ذكرتني بنعمة الله علي. وذكرتني بأمي - رحمها الله - التي كانت تدعو فتقول: «ربنا يحبب فيكِ خلقه». وإذا بالسيدة تدفع إلي بما كان في يدها قائلة: «هذا لوز يمني أتمني أن تقبليه مني». وأضافت أنها لو كانت تعلم أنه قدر لي ولها أن نلتقي لأهدتني بعضا من العسل اليمني والبن أيضا. شكرتها بخجل لأني لم أكن أنتظر هدية ولا أطمع في أكثر من صدق هذه التحية الصادرة من قلب نقي. كنت في الطريق إلى العمل لتسجيل حلقات من البرنامج التلفزيوني الذي أشارك في تقديمه.

همس الحياة

في منتصف القرن التاسع عشر نشأت في ولايات الغرب الأميركي الوسطية هواية ابتكرتها النساء، فكانت مجموعة منهن تلتقي في الأمسيات في بيت إحداهن حول إطار خشبي مستطيل وبيد كل منهن مربعات صغيرة من بقايا القماش المنقوش، وكانت بعض المربعات ذات دلالة عاطفية لدى صاحبتها، مثل مربع أخذته من ثوب عرس أمها مثلا، وكان أحد أهداف اللقاء أن تطلق كل امرأة ملكات الإبداع لديها والاشتراك في عمل فني جماعي، وحين يكتمل العمل يمنح كهدية لإحدى بنات البلدة اللاتي يتأهبن للزواج كجزء من جهاز العروس، فيصبح لحاف «الباتش وورك»، كما سمي بعد ذلك، جزءا من التراث الذي يورث من الأم لابنتها، ومن البنت للحفيدة أيضا. ألهمتني هذه الفكرة لك

دبلن كمان وكمان

لا يمكن أن ينسى الإنسان أول يوم في المدرسة. ولا يمكن أن ينسى يوم عرسه. ولا يمكن أن ينسى اليوم الذي أصبح فيه أبا أو أما. والمغترب لا يمكن أن ينسى أول أيام اغترابه. وهكذا أنا. لم أنس يوما رماديا يتساقط فيه المطر وأنا جالسة على مقعد في حديقة عامة أنتظر صديقة مصرية كانت سبقتني إلى جامعة دبلن لبدء الدراسات العليا بعام. كنت جالسة أنظر بعين نصف غائبة عن الوعي إلى الصفحة الأولى من جريدة «الأوبزيرفر» وأنتظر بصبر نافد أن تأتي صديقتي لتخرجني من دائرة الأفكار السلبية التي يجربها المغترب في بداية اغترابه.

وضاعت الفرصة

بالأمس زارتني صديقة عزيزة ومعها ابنتها الشابة الجميلة التي لم تتزوج بعد. فسألتها: لماذا لم تتزوجي؟ فقالت: لم أعثر بعد على الزوج المناسب. فسألتها: ماذا تريدين من الزوج المناسب؟ فصمتت لحظة ثم قالت: لا أطلب معجزة، أريد رجلا في عينيه لمعة حب الحياة. لم أجد حرجا في إسداء النصح لها بحكم السن والتجربة. فقلت لها إن حب الحياة لا علاقة له بلمعة في العين. حب الحياة هو أن يحتاج رجل لامرأة بعينها فيأتيها حاملا قلبه بين يديه هدية لا ترد ولا تسترد. إن غابت عنه اشتاق إليها. وإن عبرت عن رأي أو فكرة جيدة عبر عن احترامه لذكائها. إذا مرضت يداويها وإن خافت يحمها. وحين يصبح أبا تجده عطوفا على أولاده.

حكاية باريسية

بيني وبين باريس خصومة لا يمكن نسيانها بسهولة، فقد زرت مدينة اللوفر وفيرساي والشانزيليزيه والسوربون بدل المرة مرات، ولا أنكر أن معمار المدينة وجمالها لا يفوقه معمار وجمال آخر. وكانت آخر زياراتي منذ عامين تقريبا أثناء الانتخابات الأخيرة التي أتت بفرنسوا هولاند رئيسا. والحقيقة هي أنني ذهبت لا شعوريا لكي أعقد مع المدينة صلحا، خصوصا أن زوجي وابنتي كانا معي في تلك الزيارة. وحرصنا أن نقيم في فندق قريب من ساحة الباستيل، حيث كان من المقرر أن تقام الاحتفالات بفوز الرئيس الجديد. ويبدو أن باريس رفضت الصلح.. ففي ليلة الاحتفالات شعرت بأعراض المرض العضال الذي لم يفارقني حتى يومنا هذا.

أحلام وألغام

إذا كنتِ شابة جميلة تحلم بالعريس وبيت الزوجية وشهر عسل ممتد فاقرئي هذه السطور. إن كنت زوجة وأمًّا تتوهم أنها وحدها حققت المعادلة الصعبة لأنها ناجحة في عملها وراعية لأولادها ومرضية لزوجها فاقرئي هذه السطور. إن كنتَ زوجا يؤْثر سلامة أسرته ولكنه لا يتنازل عن موروثات ثقافية توحي له بأن خدمة نفسه عيب وحرام فاقرأ هذه السطور. موضوعي اليوم هو العلاقة بين الخادم والمخدوم. وسؤالي محدد: لماذا أصبح وجود الخدم في بيوتنا مثارا لمشاكل لا تعد ولا تحصى وبعضها يخرب البيوت العامرة؟ كل زوجة تطالب بوجود الخادمة كأمر حيوي مثل الماء والهواء.

حساب وهندسة

لم يرفع عليَّ أبي عصا، ولم يوقع عليَّ عقابا بدنيا، ولم يتفوه نحوي بكلمة تحقر أو تؤذي المشاعر. ولكني أعترف بأن أمي أشبعتني ضربا ذات يوم لأني عصيت أمرا وأنا طفلة. وذات يوم أوكلت لأخي الأكبر مهمة تدريسي الحساب والهندسة واللوغاريتمات فكان يفقد أعصابه ويتهمني بالغباء إن لم أفك ألغاز تلك المواد تحت إشرافه. وفي إحدى الحصص أشبعني ضربا فصرخت فهرولت إلى بيتنا إحدى الجارات التي كانت تحبني حب الأم لابنتها وشخطت في الأخ المذنب بأن التعليم لا يكون بهذا الأسلوب، وأشارت على أمي أن يستعينوا بمعلم متخصص بدلا من أخي. تلك هي حدود معرفتي بالتعرض للضرب.

زيتونة الأحلام

ذكر الله شجرة الزيتون ست مرات في القرآن الكريم، ومرة سابعة ضمنيا في سورة المؤمنون. ووصفها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بأنها شجرة مباركة‫.‬ والجدير بالذكر أن الزيتونة نشأت في فلسطين، ومن فلسطين انتشرت إلى سوريا وتركيا وإيران ثم اليونان وإسبانيا وإيطاليا. وقيل إن الفينيقيين اهتموا بها وزرعوها وانتقلت منهم إلى معظم دول البحر المتوسط. ولشجرة الزيتون مكانة في قلوب البشر منذ قديم الزمان، ربما لأنها ذكرت في الكتب المقدسة، وذكر أنها وصلت إلى نوح عليه السلام حين رست به السفينة، فأطلق حمامة عادت إليه وفي فمها غصن زيتون أخضر. كلنا يعلم أن الأحوال الجوية تتغير تغيرا حثيثا.

غرام وانتقام

كيف يتحول منتهى الحب إلى منتهى الكره والرغبة في إلحاق الأذى انتقاما؟ أبقاني هذا السؤال ساهرة ولم أصل إلى إجابة. كنت اطلعت على خبر صغير مفاده أن امرأة محبة لزوجها تبرعت بإحدى كليتيها إنقاذا لحياته. وأنقذت الكلية حياته بأمر الله. وكان يمكن أن تسير بالزوجين مركبة الحياة ويزداد ارتباطهما واستقرارهما، ولكن الرياح لم تأتِ بما تشتهي السفن. فبمَ أتت الرياح؟ أتت بامرأة أخرى.