فوزية سلامة

البطة

لم أنكر يوما أنني من محبي الأمثال الشعبية التي تختزل حكمة الشعوب في عبارات قصيرة دالة. وأحد هذه الأمثال يقول «خذوا فالكم من عيالكم». وقد فعلت قبل بضعة أيام. ففي حديث مع ابنة أختي، وهي من حفظة القرآن ومعلميه، ذكرت لي اسم عبد الله بن المبارك، ولم أكن سمعته من قبل، وروت لي قصة شائعة عنه. قالت إنه كان من التابعين، أي أنه لم يعش في زمن النبوة، وإنما عاصر بعض الصحابة. قالت إنه كان رجلا تقيا محبا للعلم يشتغل بالتجارة، وإنه كان يجود بماله على الفقراء على اختلاف حالهم، وإنه كان يخرج للحج كل عام. وفي إحدى السنوات جمع ماله وأعد المؤن لقافلة الحج، وخرج يسعى للوصول إلى بيت الله الحرام.

أسرار صغيرة

لو بحث كل منا في تاريخه الشخصي بصدق لاكتشف مجموعة من الأسرار الصغيرة التي لم يأتمن آخر عليها. أبسط هذه الأسرار هي بعض الطقوس أو العادات التي لا منطق لها ومع ذلك يتمسك بها بحزم وقناعة لا تتزحزح. أحد أسراري تلك هي أنني احتفظت طويلا بقلم حبر كنت لا أستخدم غيره في الامتحانات وأتصور تصورا غير مفهوم وغير مبني على حقيقة أو دليل أنني لو لم أستخدمه سيكون الفشل من نصيبي، ولو استخدمته نجحت نجاحا مثيرا للإعجاب.

رمضان كريم

«الغربة كُربة» كما يقولون، خصوصا في شهر رمضان المعظم إذا كان المغترب مقيما في دولة غير إسلامية. حين يبدأ شهر الصوم يشعر المغترب كأنه على كوكب آخر، لأن الطقوس المصاحبة للاستعداد لشهر الصوم تظل غائبة عن حياته اليومية.. تماما. هذا العام وفي الأعوام القليلة المقبلة يأتينا رمضان بعد انتهاء العام الدراسي، فيهرع كل مغترب له أولاد منتظمون في المدارس إلى وطنه التماسا لدفء الانتماء وهربا من العزلة النفسية التي يفرضها الوجود في بلد غريب.

مع قهوة الصباح

ما أجمل أن يسترد الإنسان وعيه في ساعات الصباح المبكر على أصوات الطيور، وأشعة الشمس وهي تتسلل عبر نافذة المخدع.

شوق على شوق

«مكتوب عليَّ أبص لفوق وأجيب لقلبي شوق على شوق». الكلام ليس لي، بل هو جزء من أغنية من أغاني الزمن الجميل لمحمد قنديل.

أصابع الزمار

المثل الشعبي يقول: يموت الزمار وإصبعه تلعب. والمعنى باختصار هو أن من شب على شيء شاب عليه. وهكذا أنا فيما يتعلق بتأثير السياسة على الحياة اليومية، عبثا أحاول أن أطرد السياسة من حياتي، وما إن أغلق أبواب عقلي وقلبي بالمتاريس حتى أجد السياسة تطل عليَّ من فرجة باب أو نافذة. وعلى سبيل المثال، تعمدت ألا أتابع أخبار الانتخابات في مصر إيمانا مني بأن السيسي آتٍ آتٍ. فإذا بصديقين من زملاء المهنة يزورانني في البيت ويسألانني أن كنت انتخبت السيسي. وهنا عاد الزمار ليلعب بأصابعه. وجدتني أسألهما: ماذا تظنان السيسي فاعلا إزاء جبل المشكلات التي تعاني منها مصر؟

أجمل هدية

رسالة إلكترونية تلقيتها وأنا في رحلة عمل. كان عنوان القصة: «طويلة العمر»، تصور الملكة إليزابيث، ملكة بريطانيا، في مراحل عمرية عديدة كلها متعلقة برؤساء الولايات المتحدة الأميركية. تبدأ الصور بالملكة إليزابيث وهي شابة مع الرئيس الأميركي هاري ترومان، ثم تظهر في صورة أخرى وهي شابة جذابة مع الرئيس أيزنهاور، وبعد تلك الصورة تظهر مع جون كيندي، ومن جون كيندي إلى نيكسون، ومنه إلى جيرالد فورد. ولم يغب جيمي كارتر عن هذا العرض المصور في صحبة ملكة بريطانيا، ثم رونالد ريغان، وبوش الأب، وبيل كلينتون، ثم جورج بوش، وصولا إلى أوباما، الرئيس الحالي.

خمسون عاما من الحكمة

إذا نظرت إلى ما مضى من حياتي لا يسعني إلا أن أقول: كم تغيرت الدنيا. في طفولتي لم تكن المرأة تعمل. كانت هناك نماذج لطبيبات ومعلمات ولكنها كانت نماذج متفرقة لا تشكل ظاهرة مثيرة للجدل. ثم نشأ جيل شقيقتي التي التحقت بكلية الطب وكانت الأنظار مصوبة نحو هذا النموذج خوفا من أن يؤدي التعليم العالي إلى إفساد فرصتها في الزواج. ولكنها تزوجت وأنجبت ونجحت في عملها وفي زواجها.

مهاجرون أم مواطنون؟

أنشغل أحيانا بمقولة علي بن أبي طالب، كرَّم الله وجهه، حين قال: «لو كان الفقر رجلا لقتلته». ومنذ أيام قليلة عاودني انشغالي بما قيل أثناء وجودي في العاصمة الفرنسية في رحلة عمل. وكان تكليفي بإعداد تقرير عن أحوال المهاجرين العرب في فرنسا جزءا من هذا العمل لأسباب تتعلق بالتغطية الإعلامية التي تصل إلى القارئ والمشاهد عن أحوال من ألقت بهم الظروف في براثن غربة لا ترحم. قبل بدء المهمة نصحني بعض الزملاء بترك كل ما أملك من مال أو مصاغ في الفندق، خشية أن أتعرض للسرقة في أحياء تسكنها تلك المجموعات.

الشعر الحرير

شاهدت حلقة من برنامج المذيعة المصرية منى الشاذلي بعد انتقالها من قناة «إم بي سي مصر» إلى قناة «سي بي سي». كان ضيف الحلقة هو نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية. وكفاني اليوم أن أصنف نبيل العربي واحدا من فئة أعتبرها آخر الرجال المحترمين. ولذلك شغلت عدة أيام بعد مشاهدة الحوار بالبحث عن كل ما يمكن معرفته عن نبيل العربي قبل أن يتولى الأمانة العامة للجامعة العربية.. قبل أن يرحل إلى المنفى كان وزيرا للخارجية في حكومة عصام شرف.