سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

الدورية قادمة

أثار «ربيع براغ» 1968 الأمل في أرجاء الكتلة السوفياتية. أرسل ليونيد بريجنيف نصف مليون جندي مع دباباتهم إلى تشيكوسلوفاكيا لقمع الحركة، لكن بعد 20 عاما تهاوى النظام الشيوعي برمَّته، وصار الكاتب المسرحي المعارض فاتسلاف هافيل رئيسا في براغ. الربيع العربي أثار الذعر في كل مكان. رغم كل مظاهر الفساد والتنكيل أعاد الأتراك الاقتراع لحزب رجب طيب إردوغان. صارت الناس تخاف المفاجآت، مصر ذاهبة صفًا واحدًا لإعادة العسكر، بعد ما شهدت ما فعله «الإخوان» المدنيون في عام واحد. الروس يؤيدون بوتين بنسبة 80 في المائة على الرغم من أن 50 مليار دولار فرَّت من البلاد في أربعة أشهر، في بلد لا يزيد دخله القومي على دخل إيطاليا.
هناك خوف من التغيير. بعد حكم المالكي و«دولة القانون» حدث في العراق ما كان يبدو مستحيلًا الاستحالة المطلقة: الحنين إلى نظام صدام حسين وأخويه سبعاوي وبرزان. في ليبيا سوف يظل من المستحيل إعادة الذاكرة إلى يوم، أو خطاب من خطب صاحب الزنقات والجرذان، ولكن التفكك مخزٍ.
لعبت رسولة الديمقراطية والحريات في عهد أوباما دورًا بديعًا في هلهلة الآمال والأوضاع. تصرف أوباما وكأنه يسلم نوري المالكي خلافة واشنطن في بغداد. قصف القذافي ثم نفد البنزين من طائراته. رأى ديمقراطية مصر في محمد مرسي، ثم رأى عملًا ديكتاتوريًا في نزول 30 مليون مصري إلى الشوارع مطالبين بعودة إلى مكتب الهندسة. تراجعت واشنطن أمام بوتين في سوريا، وانسحقت أمامه في «ربيع أوكرانيا».
انهار الاتحاد السوفياتي وحلقة الديكتاتوريات، لكن الشعوب الطامحة إلى الحرية والديمقراطية وجدت أمامها غربًا واهنًا بالكاد يتحامل للوقوف. الديون تأكل خزائنه، والضعف يضرب حكوماته.
كان العالم أجمع يتطلع إلى يوم تنسحب أميركا العسكرية من أطرافه، لكنه لم يكن يتوقع لها التراجع المستمر بالطريقة الأوبامية. الرئيس الضعيف لا يستطيع أن يتخذ قرارات قويّة. اختل ميزان العالم عندما سقط السوفيات وأصبحت الأرض من قطب واحد، ويختل مرة أخرى مع انحسار أميركا كقطب موازٍ قبالة الحلف الروسي - الصيني، إضافة إلى العداء الذي تظهره الهند والبرازيل.
كان صمويل هنتنغتون، صاحب «صراع الحضارات» الشهير، يحذر من أن الاختلال الكبير سوف يحدث، ليس من فشل النموذج الشيوعي، بل من فشل النموذج الغربي. باستثناء حكم السيدة ميركل في ألمانيا، لا ترى سوى غرب ضعيف. لذلك، كانت الحاكم الأوروبي الوحيد الذي وقف في وجه بوتين وتحدث إليه بصوت عالٍ. 300 مليار دولار حجم المبادلات بين موسكو المتعثرة وبرلين المحلقة في كل اتجاه.
لا يُسعد الغرب ذلك كثيرا. ولكن النموذج الألماني هو وحده المثير للإعجاب. الباقي، يونان على إسبانيا على دفتر العقوبات الذي يهدد به أوباما مثل دورية شرطة السير.