مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

حلّق بعيدا عن السياسة

بعيدا عن قلق فيروس كورونا في السعودية، وانتخابات رئيس الجمهورية اللبنانية العتيد، وعزم الدكتور، الحضاري المدني، بشار الأسد إهداء السوريين فترة جديدة من عهده الزاهر، بعيدا عن أخبار قتل ضباط الشرطة في مصر، وحرب الأشقاء في ليبيا، ومقاتل الطالبيين والعمريين في العراق.
بكلمة، بعيدا عن السياسة العربية خاصة، هبت نسمة منعشة من عناء السماء البريطانية عليّ، بعدما قرأت عن احتفال شركة «إيزي جيت» البريطانية للطيران، بالذكرى الـ450 لميلاد شكسبير أيقونة الأدب البريطاني عبر التاريخ، بعرض لأحد أعماله على متن إحدى طائراتها.
حسب تفاصيل الخبر المنشور في «الشرق الأوسط» فإن شركة «إيزي جيت» تحاول من خلال هذا العمل، تحقيق رقم قياسي عالمي في موسوعة «غينيس» بالنسبة لأكبر عرض مسرحي على متن طائرتها المتجهة من مدينة غاتويك قرب لندن إلى مدينة فيرونا في إيطاليا، التي كانت مسرحا لأحداث مسرحية «روميو وجولييت»، وهي واحدة من أشهر مسرحيات شكسبير.
ماذا لو حذت شركات الطيران العربية حذو هذه الشركة، وأشركت ركابها معها في تجربة جميلة ممتعة ومفيدة، وناشرة لبهجة الفنون والمعرفة، ومعمقة للحس الإنساني النقي، عبر الاحتفال والتعريف برموز الثقافة العربية، بشكل عام، وبالرموز المحلية لكل بلد عربي على حدة؟ خطوة كهذه كفيلة بتنوير عقول الكثير من الناس العاديين، وإخبارهم أن في أوطانهم منابع للفرح ومكامن للأمل، مجسدة بشخصيات من بني جلدتهم، رسموا لوحات للنجاح على جدران البلاد وحيطان الدنيا.
ماذا لو فعلت الخطوط الجوية السعودية شيئا كهذا، وتحتفل بشخصيات مثيرة للبهجة، حافزة على الأمل، أدباء وعلماء، أهل فن وأهل سياسة، نساء ورجالا، والأسماء السعودية كثيرة، في حاضر البلاد وماضيها، في حجازها ونجدها وعسيرها وتهائمها وأحسائها وشمالها وجنوبها، وجبالها وسهولها، وبحارها وصحاراها.
قل مثل هذا عن الخطوط الإماراتية والكويتية والبحرينية والقطرية والعمانية واليمنية - كم يحتاج اليمن للتذكير بهذه الرموز الآن! - والعراقية واللبنانية، ولا مجال للحديث عن السورية حاليا، فهي مشغولة بالانتخابات الرئاسية للدكتور بشار. تخيل أنك في طائرة من طائرات الـ«ميدل إيست» اللبنانية وتستمتع باحتفالية تعريفية عن فيروز أو هند أبي اللمع أو عبد المجيد مجذوب أو كمال صليبي أو الشيخ عبد الله العلايلي أو السيد محسن الأمين، أو فؤاد شهاب، أو رياض الصلح، أو جبران؟
تخيل هذه التجربة على الخطوط العراقية مع شخصيات مثل ناظم الغزالي أو علي الوردي أو الملك فيصل الأول أو طه باقر أو الزهاوي أو الرصافي أو الشبيبي؟
الفكرة هي الخروج بالناس من عالم محبط مخيف باعث على الاحتراب والكراهية وتمزيق المتحد وتفريق المجتمع، إلى عالم آمن مثير للتقارب والتجانس، يعطي معنى لكلمة الوطن وعلة لوجود الاتحاد والوحدة.
ثمة هوايات ومذاقات تجمع المختلفين، وإن كانت السياسة تفرق، فالدنيا ليست سياسة فقط.. الطيران عاليا يعطيك الهواء النقي، والوطن الشاسع.