فالي نصر
عميد مدرسة جون هوبكنز الأميركية للدراسات الدولية المتقدمة
TT

مهمة أميركا الأخيرة في كابل

ظل القتال في الحرب الأفغانية مشروعا أميركيا حتى الآن، وأكثر ما خشيه الأميركان هو أن تعقب الفوضى انسحابهم، ولهذا ركزوا على تسليم مسؤولية القتال للقوات الأفغانية. لكن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 5 أبريل (نيسان) فتحت فرصة جديدة، فبمجرد خروجهم بأعداد كبيرة في تحد لطالبان، أوضح الأفغان أنهم يتوقون إلى مستقبل مستقر، وسيحتاجون لأصدقاء في الجوار لمساعدتهم على تسوية اختلافاتهم. ويخلق هذا حافزا لجميع الدول المجاورة لأفغانستان للتعاون على إبقاء أفغانستان متماسكة بعد رحيل الأميركان. مع أخذ ذلك في الاعتبار، قد يكون من الأفضل للولايات المتحدة التركيز أولا على تسليم مهمة تحقيق السلام إلى جيران أفغانستان، باعتبار ذلك أكثر استراتيجية معقولة لإنهاء الحرب بسرعة. وظلت الولايات المتحدة تطالب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بدعم جميع القوى في المنطقة لاستراتيجيتها في أفغانستان. لكن المنطقة انقسمت، فالهند وروسيا كانتا راضيتين برؤية الولايات المتحدة التي تسعى لتحقيق النصر على طالبان وخوض الحرب حتى نهايتها، أما باكستان وإيران اللتان تربطهما أصول عرقية بالجماعات في أفغانستان، فترغبان منذ أمد بعيد في إنهاء الولايات المتحدة للحرب عن طريق المفاوضات.
ولأن مصالح جيران أفغانستان لا تتقاطع أبدا في دعم صريح لوجهة النظر الأميركية، شهدت المنطقة تجارب أميركا في مواجهة التمرد وبناء الدولة، والتي كان لها نتائج متباينة، وأخيرا تحقيق السلام مع طالبان.
والآن يعتمد الأمر على جيران أفغانستان الذين يشتركون رغم كل اختلافاتهم في مصلحة رؤية أفغانستان وقد تجنبت سفك دماء جديدة. وهم يتشككون في مقدرة الجيش الأفغاني على هزيمة طالبان في معركة، فما زالت معظم القوات مكونة بقدر كبير من الطاجيك والهزاري من شمال وغرب أفغانستان، مما قد يؤدي إلى إثارة مقاومة البشتون في مناطق جنوب وشرق البلاد التي تغمرها الحرب والتي تتحدر منها طالبان. ويتذكر جيران أفغانستان انهيار جيش أفغاني سابق، بعد مغادرة السوفيات الذين دربوه، وكذلك عقد الحرب الأهلية الذي تلا ذلك خلال التسعينات. ولا يريد أي من جيران أفغانستان تكرار ذلك، ستكون اتفاقية سلام مدعومة إقليميا هي أضمن سبيل لثني الأطراف الخارجية عن دعم أي أفغان كانوا يدعمونهم. إذن كيف ستتحرك الولايات المتحدة؟
عليها تذكير الجميع أنها على وشك الرحيل، وأن من مصلحة الجميع تحقيق إجماع إقليمي من أجل السلام في أفغانستان. ويعني ذلك التكاتف مع الأميركان لضمان خروج رئيس قوي من الانتخابات. كان رد الفعل الأول يوم الانتخابات هو الارتياح بسبب عدد الناخبين، لكن هناك تخوف الآن أن يؤدي حصر الأصوات النهائي إلى نشوء دعاوى بأن هامش التزوير يتجاوز هامش الفوز. وتشير النتائج المبكرة للجولة الأولى إلى تقارب عدد أصوات أشرف غاني وعبد الله عبد الله والحاجة لقيام الولايات المتحدة برعاية نتيجة عادلة، حيث من شأن الخلاف حول النتيجة أن يؤدي إلى تقسيم البلد.
وعلى الولايات المتحدة دعوة جيران أفغانستان للمساعدة، وسينعكس أي تنازع سياسي على إيران، كما سينعكس على الولايات المتحدة، حيث للبلدين أكبر تأثير على السياسة الأفغانية. وعليهما تذكر التعاون عام 2001، في مؤتمر الزعماء الأفغان في بون بألمانيا بخصوص تهيئة أفغانستان وانتقالها لمرحلة الدستور والحكومة المنتخبة. وسيواجه الرئيس الأفغاني المقبل فور توليه منصبه مجموعة كبيرة من المشاكل، ليس أقلها انكماش الاقتصاد الأفغاني بسبب إنهاء الدعم الأميركي للحرب، وستبقى المهمة الأكثر أهمية هي إبقاء طالبان بعيدا. فإن لم تتمكن القوات الأفغانية من القيام بتلك المهمة، فستحتاج أفغانستان إلى رئيس قوي مع توفر الدعم الأميركي والإقليمي. وستكون مهمته التفاوض على المصالحة مع طالبان، مما يثير التساؤل حول كيفية توصل الدول المجاورة إلى أرضية مشتركة للمساعدة، وعلى تلك الدول التوصل إلى أرضية مشتركة، لأن الفوضى في أفغانستان تهدد جميع تلك الدول. ولا تزال موسكو تعد أن التطرف في أفغانستان تهديد للمناطق المسلمة في روسيا مثل الشيشان ولجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ذات الأغلبية السكانية المسلمة في آسيا الوسطى. كما يساور الصين القلق بشكل مماثل وخاصة في إقليم شينجيانغ، وتفكر الهند أن ذات الشيء قد يحدث في كشمير.
ويقيم في إيران حاليا أكثر من مليوني لاجئ أفغاني وعدد من المدمنين الذين يعتمدون على الهيروين المهرب من أفغانستان، وستفاقم الحرب من المشكلة الأولى، وتعقد الفوضى المشكلة الثانية.
ولعل باكستان هي الجار الأهم والأكثر إشكالية. وظلت باكستان لفترة طويلة تعد أن طالبان تحمي مصالحها في أفغانستان، لكن حكومة باكستان واجهت خلال الفترة الأخيرة تحديا من جماعات إسلامية عنيفة بها، بما في ذلك طالبان باكستان. وعارضت باكستان النفوذ الهندي في أفغانستان على أساس أن الهند قد تثير القومية البشتونية ضد باكستان. لكن يجب موازنة الخوف الافتراضي مع التهديد الملموس في حالة غياب القوات الأميركية، وهو أن طالبان باكستان قد تشعر بالحرية لتتكاتف مع طالبان أفغانستان.
وبعبارة أخرى، ففي هذه الأيام هناك مصلحة لإسلام آباد في حصر طالبان، أو عقد اتفاق سلام معها. وفي الواقع ظلت إسلام آباد تفضل دائما المصالحة عن طريق المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وطالبان، إذا وافقت كابل على إعطاء دور لباكستان ومراعاة مصالحها. وتفاوض الولايات المتحدة حاليا إيران، واستقرت علاقاتها مع باكستان، وهي في سبيلها إلى الانسحاب من أفغانستان. قد يمكن جميع ذلك من الحوار الإقليمي الذي قد يوفر لأفغانستان الفرصة للمستقبل.