محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الوديع العدواني!!

من أكثر الشخصيات صعوبة في التعامل وإثارة للحيرة هو ذلك الشخص الذي يظهر الدعة في سلوكه لكنه في الواقع يضمر لك العداوة أو الخصومة. وهذا المصطلح متداول في علم النفس باسم «Passive aggressive». وأقرب أو ألطف ترجمة له هي: الوديع العدواني!
وهو الشخص الذي يبدو أمامنا في الاجتماعات وفي اللقاءات الاجتماعية الخاصة كأنه حمل وديع لكنه في الحقيقة صعب المراس لأنه يتمترس خلف ستار من هدوئه! ويظهر سلوكه الحقيقي في إصراره الدائم، بمناسبة ومن دون مناسبة، على نقد الأفكار المطروحة، والحلول من دون مبرر، بل يتحدى أحيانا حتى توقعات الناس وآرائها، رغم أنها ليست حقائق مجردة. فما ينفك يشكك فيها فيحتار الناس في كيفية التعامل معه.
وأذكر أنني حينما كنت أسير في شوارع لندن مع أحد طلبة الدكتوراه العرب قال لي، إن من أكثر ما يزعجه حينما يرتاد محطات القطار والأماكن العامة هو سلوك بعض الإنجليز حينما يأتي من خلفه مسرعا فيقول له بصوت مرتفع وبنبرة حادة «Excuse me» أي (لو سمحت) أو افسح الطريق ويرددها أكثر من مرة «فينرفزني وكأنه الوحيد المشغول في هذا العالم ونحن مجرد شعوب متخلفة لا تقدر شواغل الناس» على حد تعبيره!
وقد يتركز سلوك الوديع العدواني في الخصومة الشفهية المبطنة أو الخصومة المقنعة «Veiled Hostilities» لكنها إذا تكررت لا سيما في العمل الجماعي تكون متعبة لأقرانه ومرؤوسيه ورؤسائه. ذلك أن بعضها يكون نابعا من تعال، أو غرور، أو ضغينة، أو اعتزاز زائف بالنفس لا يستند إلى أي أرضيه صلبة.
ومن هذا السلوك العدواني أيضا ما هو ناشئ عن «تصرفات عملية» كأن يماطل في إنجاز مهمة موكله إليه، أو يعاند، أو يتعمد عدم إكمال المشروع أو تخريبه كنوع من إبداء الامتعاض.
وأفضل طريقة للتعامل مع هذا الشخص غير المريح، هو ألا نقابل إساءته بإساءة حتى لا يلعب دور الضحية فيقلب الطاولة ضدنا. كما أنه من الخطأ أن نحاول تغيير سلوكه أو نعرض به على الملأ فقد تكون هذه هي نقطة ضعفه، فضلا عن أن الناس لا يمكن أن يغيروا سلوك فرد ما لم يقرر هو تغيير سلوكه. ويعد من الحصافة أن نترك مسافة بيننا وبينه، أو كما يقول الأميركان «keep a distance»، لتفادي أذاه. ومن أذكى ما رأيت في التعامل مع الوديع العدواني أن نقابل خصومته المبطنة برد فعل يغلب عليه حس من الدعابة لنرطب الأجواء أو نشتت انتباه الآخرين عن محاولاته لوضع العصا في دولاب نقاشاتنا.
وليس هناك فرد كامل في هذا الوجود، فكلنا نقائص، لكن حينما يتعلق الأمر بالتعامل مع إنسان صعب المراس، مثل الوديع العدواني، فيجب أن نتعامل معه بحذر ونتأمل دوما المثل الصيني «خلف الابتسامة سكين مخفية»!