آيلين كوجامان
كاتبة معلقة ومحللة في التلفزيون التركي
TT

تركيا وأرمينيا.. وتجديد الثقة

قررت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، الأسبوع الماضي، تمرير مشروع قانون «الإبادة الجماعية في أرمينيا»، وبما أنه لم تجر مناقشة القانون في مجلس الشيوخ قبل عطلة عيد الفصح، التي تمتد إلى 16 يوما، فقد ذهب ذلك القانون أدراج الرياح وطواه النسيان. وخلال زيارته لتركيا خلال الأسبوع نفسه، أطلق جون بوينر، رئيس مجلس النواب الأميركي، مجموعة من التطمينات خلال تصريحاته حول هذا الموضوع، حيث قال: «لا تقلقوا، لن يناقش الكونغرس هذا الأمر ثانية».
وبشكل عام، فقد أصبح الشعب التركي يدرك تماما المغزى وراء سلسلة الأحداث التي تتسارع في نفس هذا التوقيت من كل عام، عندما يقترب الرابع والعشرون من شهر أبريل (نيسان)، إذ يجري إرسال مشروع قانون يتعلق بـ«المذبحة» التي نفذتها تركيا ضد الأرمن في عام 1915 إلى مجلس الشيوخ الأميركي، ويتزامن مع تلك الخطوة بث مجموعة من الأخبار - بغرض المناورة - في بعض وسائل الإعلام كجزء من عملية مناقشة هذا القانون.
وعليه، فقد فسر كثيرون، وحتى المعارضون للحكومة التركية، مزاعم الصحافية روث شيرلوك في المقال، الذي نشرته في صحيفة «الديلي تلغراف»، بأنها جزء من تلك الحملة الإعلانية التي تتزامن مع عرض مشروع القرار في مجلس الشيوخ الأميركي. تقول شيرلوك في مقالها: «قامت تركيا بتسهيل الهجوم الذي نفذه مقاتلون إسلاميون ضد مدينة كسب في سوريا». وقد صدر مقال شيرلوك بعد أن سقطت مدينة كسب، التي تقع قرب الحدود التركية وتضم أغلبية من السكان الأرمن، في يد تنظيمات سلفية. المثير للدهشة، أن الهجوم، الذي علقت عليه شيرلوك، حدث في الوقت المناسب، أي في شهر أبريل.
دائما ما يحدث الأمر ذاته، فالكثير من منظمات الضغط الساخطة على تركيا بدأت العمل بالفعل، فقد حملت الصحف الغربية، الواقعة تحت تأثير هذه الجماعات، تقارير عن «تقدم نواب بمشروع قانون بشأن القضية»، وهو دائما ما يحدث قبل الرابع والعشرين من أبريل من كل عام.
دعونا نذكر أن مشروع القانون الأرميني ورقة رابحة في كل الأحوال التي تبدو فيها تركيا دولة غير مرغوب فيها مثل عضوية الاتحاد الأوروبي.
تعود مزاعم الإبادة العرقية الأرمينية إلى عام 1915. وبادئ ذي بدء لم يكن هناك مثل هذا الأمر مع بداية الجمهورية التركية عام 1915، فقد كانت هناك إمبراطورية عثمانية منقسمة وضعيفة عسكريا وسياسيا، وتعرضت للغزو من عدة اتجاهات، ثم تعرضت للهزيمة في الحرب العالمية الأولى.
تأسست الجمهورية التركية في أعقاب تلك الهزيمة، وتبنت الثقافة وكرم الضيافة العثماني وطبيعتها من احتواء كل الأديان والأجناس العرقية، لكنها كانت دولة مستقلة تماما بالمعنى السياسي. وخلال التحول الديمقراطي، ألغيت كل الأنظمة السابقة من الخلافة إلى السلطنة، وتعرضت الكثير من المؤسسات، مثل الجيش والقضاء، لإعادة هيكلة. وخلال تاريخها الذي امتد لواحد وتسعين سنة، لم تضطر الجمهورية التركية السياسات العثمانية، لأنه لم تعد هناك إمبراطورية عثمانية.
الأمر الثاني، هو أن عام 1915 كان فترة عصيبة للحرب العالمية الثانية التي شهدت إرهابا ووحشية مرعبة. كانت تلك فترة قامت فيها دول بغزو غير شرعي لجيرانها، من دون معارضة وسلبوا أراضيها. وكان على الإمبراطورية العثمانية في تلك الفترة قتال الكثير من الغزاة على أراضيها. ولم يكن هناك شك في أن الأرمينيين عانوا خسائر فادحة أثناء حدوث ذلك، لكن الأتراك عانوا أيضا خسائر فادحة، وقد كانت عواقب وخيمة لحماقة الحرب.
وقد تحدث الجنرال الأميركي جيمس هاربورد، الذي يعد واحدا من أبرز شهود هذه القضية، في تقريره عن فترة المعاناة الشديدة للأرمن، لكنه قال أيضا إن الأتراك كانوا يعانون أيضا. وهناك تقارير تتحدث عن وصفه هذه الأمور بقدر كبير من التفاصيل، بيد أنه لسبب ما، لم تذكر هذه التفاصيل الإضافية على الإطلاق أثناء الاستشهاد بتقرير هاربورد كشاهد رئيس في مشروع القانون الذي قدم إلى مجلس الشيوخ الأميركي.
ودعونا نتذكر أنه منذ تأسيس الجمهورية التركية، كان إخواننا الأرمينيون يعيشون كجزء من الأمة التركية على أراضيها، وكان من بينهم كتاب ومفكرون وسياسيون وفنانون أرمن، وكان في الجيش أيضا جنرالات من الأرمن الذين وضع فيهم الأتراك ثقتهم. ودائما ما كان الأتراك يشيرون إلى الأرمن بـ«الأمة المخلصة».
ولسنوات طويلة، كنا نحاول أن نتوحد مع جارتنا أرمينيا، وتركيا تشكل جانبا مهما من عملية الوحدة هذه. وقد كان هدفنا على مدى سنوات إلغاء مراقبة الحدود كما فعلنا مع جورجيا، وإنشاء آلية يمكن من خلالها لأشقائنا الأرمن الدخول بحرية إلى تركيا واعتبارها بلدا لهم.
بيد أن المساعي التي تبذل في أبريل من كل عام تعيق عملية الوحدة هذه. فهؤلاء المسؤولون يتسببون في ضرر بالغ، سواء بقصد أو من دون قصد، لأرمينيا، التي تعاني الفقر والحصار داخل حدودها. يجب على هؤلاء أن يعلموا أن بلادهم ستثرى باتحادها مع تركيا، وأن الأراضي التركية ستصبح وطنا للأرمن.
إن تركيا بحاجة لأن تتخذ الخطوة التي تنهي فيها هذه المؤامرات والكراهية التي لا نهاية لها. وبدلا من إنكار ما حدث كلية، ينبغي في البداية القول: «إنها لم تكن مذبحة عرقية، بل مأساة إنسانية عاناها كلا الجانبين». والمرحلة الثانية يأتي التأكيد على قيمة وأهمية أشقائنا الأرمن الذين يشكلون جزءا من أمتنا، في كل مناسبة.
ويجب أن نشعر الأقليات في هذه البلاد بأنهم على درجة كبيرة من الأهمية. وسوف تحل لغة السلام والوئام المشكلة وتبطل كل هذه المؤامرات. وفرض الشروط المسبقة هنا ينبغي أن يعامل بحزم وصبر، رغم كل محاولات الاستفزاز والتلاعب.