غيان جنتايل
TT

هل سيقلص حجم الجيش الأميركي خلال السنوات المقبلة؟

كتب الجنرال ماثيو ريدغويي الذي قاد القوات الأميركية في كوريا في ديسمبر (كانون الأول) 1950 جملة مشهورة، وهي «إن الغرض الأساسي من الجيش أن يكون مستعدا للقتال بفاعلية في جميع الأوقات». وكان ريدغويي وصل كوريا في وقت كان موقف الجيش الأميركي فيه سيئا، إذ شن الصينيون هجوما مضادا عبر نهر يالو ودفعوا الجيش الأميركي الذي كان يفتقر إلى التنظيم والروح المعنوية العالية جنوبا إلى ما بعد سيول.
فكيف فقدت القوات التي طردت الجيش الألماني من فرنسا وجعلته يعود إلى ألمانيا قبل خمس سنوات فقط، عند نهاية الحرب العالمية الثانية، مقدرتها على القتال بفاعلية؟
الإجابة هي: خلال تلك السنوات الخمس خلص القادة الأميركان إلى أنه مع حلول الأسلحة النووية أصبحت الحرب البرية من أمور الماضي. وعلى هذا الأساس سمح الجنرالات للألوية المقاتلة التي كانت في الحرب العالمية الثانية بالتقلص. وحل محلها فرق من المشاة الأميركية ذات تدريب ضعيف في مهام شرطية في ألمانيا واليابان. وبعد أكثر من أربعين سنة بقليل أخرج جيش أميركي مختلف قوات صدام حسين من الكويت، وهي عدو أقوى بكثير من كوريا الشمالية عام 1950 ولم يكن الجيش الأميركي أفضل تدريبا وموارد فحسب، بل كان يعمل ضمن قوات مشتركة.
ولم يتوقع أي من الأميركان تقريبا الهجوم على كوريا الجنوبية عام 1950 ولا غزو العراق بعد ذلك بأربعين سنة. يبدو أن ذلك هو النمط: يرسل الرؤساء الأميركان الجيش لحل أزمات غير متوقعة سواء كان مستعدا أم لا.
في العالم اليوم سلسلة كبيرة من التهديدات المحتملة ضد المصالح الأميركية، بما في ذلك دولة فاشلة في كوريا الشمالية تفقد السيطرة على ما لديها من أسلحة الدمار الشامل، ومستنقع الحرب الأهلية في سوريا وروسيا أو الصين المتوسعتين، أو الأزمات الإنسانية التي لم تتكشف بعد في أفريقيا وغيرها من المناطق. إذا استدعي الجيش الأميركي للانتشار والاشتراك في عمليات لحفظ السلام أو عمليات قتالية كبرى بين دولة ولاعبين من غير تلك الدولة. وعليه أن يكون مستعدا في جميع الأحوال.
ويقول البعض إنه بعد الإحباط بسبب الحرب في العراق وأفغانستان فهناك شهية أميركية ضعيفة لإرسال الجيش إلى أراض أجنبية، سواء كان ذلك من أجل القتال أو بناء الأمم أو توزيع الإعانات الإنسانية. ويعني هذا النوع من التفكير أن القوات الجوية الأميركية والأسطول الأميركي أو قوات المارينز البحرية تستطيع معالجة معظم المشكلات الأمنية التي يلقي بها العالم في طريقنا.
وقال خبير الدفاع كوري شيك وأدميرال الأسطول الأميركي المتقاعد غاري روغهيد، على سبيل المثال، إنه يجب تقليص الجيش إلى نحو 290 ألف جندي، وأن يحول جزء كبير من قوته القتالية البرية إلى قوات الحرس الوطني والاحتياط، مما يعني فعليا تحويله إلى قوة شرطية قادرة على تنفيذ المهام الإنسانية، أو بعبارة أخرى جيش لا يستطيع القتال. وهناك توصية أحدث بتقليص الجيش إلى 125 ألف جندي ذوي تدريب عال ومدعومين بقوات الحرس الوطني والاحتياط.
وتماثل هذه الحجج تلك التي سيقت قبيل غزو كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية؛ إذ بدا أيضا حينها أن العالم ليس في حاجة لجيش يستطيع القتال، وافترض أن امتلاك الولايات المتحدة للقنابل الذرية سيقوم بالدور بطريقة ما. وكانت النتيجة ما يقرب من الكارثة في شبه الجزيرة الكورية. ورغم صمود قوات ريدغويي فإن خسائر الأميركان كانت ستغدو أقل لو كان الجيش مستعدا للقتال.
فهل سيقلص حجم الجيش الأميركي خلال السنوات المقبلة؟ تتطلب تخفيضات الموازنة والبيئة الاستراتيجية المتغيرة جيشا أصغر ومعاد التنظيم. ولكن تحويل الجيش إلى قوة مناسبة فقط للدفاع عن الوطن أو المهام الإنسانية بالخارج، من دون المقدرة على قتال أعداء متطورين كجزء من قوات مشتركة، ستكون نتيجته جيشا غير مستعد من المحتمل أن يعاني خسائر عالية عندما يستدعى لخوض حرب.
إن كان سيتخذ التاريخ مؤشرا بأي حال، فمن المحتم إعادة نشر الجيش مرة أخرى كقوة قتالية. وعلى الشعب الأميركي أن يستثمر في الإعداد لذلك الحدث وتجنب مثل الكارثة التي كانت وشيكة في كوريا الجنوبية قبل عدة عقود.
* خدمة «واشنطن بوست»