لأنه اكتشف أن دعمها يمنح تركيا موقع نفوذ متميزاً.. حالياً ومستقبلاً

الانتصار الكاسح الذي حققه حزب العدالة والتنمية تحت زعامة رجب طيب إردوغان في الانتخابات البلدية التركية الأخيرة اعتبرته القيادة التركية بمثابة تصويت شعبي على صوابية سياسة رئيس الوزراء الداخلية والخارجية، فالناخب التركي قرّر، عبر صناديق الاقتراع، رفض معاقبة القيادة التركية على السياسة التي مارستها خلال السنوات الماضية... بل مكافأتها، وهذا على الرغم من الحملة الهجومية الشرسة التي تعرضت لها قيادة إردوغان وشخصيته خلال الفترة الانتخابية.

سياسة دعم الإخوان المسلمين في البلاد العربية، خصوصا في مصر وسوريا، مثّلت أحد أهم ركائز سياسة إردوغان الإقليمية. لذا فإنه يعتبر التأييد الشعبي العام الذي ضمنه في الانتخابات الأخيرة تفويضاً يمتد ليشمل التعبير عن التأييد الكبير لمبادئ سياسته الإقليمية، ولذا لا يوجد أي مبرّر في السياسة الداخلية التركية يدفع للتخلي عن هذا القرار، بل على العكس من ذلك... يوجد الآن مبرّر واقعي إضافي لاستمرار هذه السياسة، هو أن الإخوان في أغلب دول «الربيع العربي» تمكنوا من استعادة قواهم اليوم، وتمكنّوا من مقاومة الضغوط التي سلّطت عليهم، فهم إمّا قوى حاكمة، وإما قوى مشاركة في السلطة، وإما قوى نافذة ورائدة ضمن تشكيلات المعارضة. والتحالف مع تنظيمات «الإخوان» في العالم العربي، في حسابات إردوغان، يمنح تركيا موقع نفوذ متميزاً حالياً ومستقبلاً.

ثم هناك تعاطف وتأييد لسياسة إردوغان الداعمة للإخوان في عدد من الدول العربية، إذ إن بعض القيادات العربية الحاكمة اليوم «إخوانية الصبغة أو الميول» ومثالها ما هو قائم في المغرب وربما ليبيا، وبعضها يجد مصلحة استراتيجية في التحالف مع الإخوان ومع مَن يدعم الإخوان ومثالها الموقف القطري، وبعضها مُجبَر على التعامل مع الإخوان لكونهم يمثّلون قوة سياسية مهمة داخل التشكيلة السياسية في بلدانهم ومثال هذا الأردن واليمن والسودان، لذا فإن التخلي عن سياسة مثمرة - في رأيه - تخدم مصالح الدولة التركية ليس من القرارات الصائبة أو الحكيمة في هذه المرحلة.

على صعيد آخر، هناك اعتقاد بأن الانتصار الانتخابي الذي حققه إردوغان أخيراً سينعكس على قرارين يخصّان سياسته الداخلية: الأول، لجهة السير قُدماً في اتجاه تنفيذ مزيد من خطوات «أسلمة» الدولة والمجتمع التركي... بناءً على رؤية خاصة يتبناها شخصياً. والثاني، يتعلّق باحتمال تشبثه بمنصب رئيس الوزراء، أي محاولة احتفاظ إردوغان بمنصب رئيس الوزراء لفترة ثالثة، وهو المنصب التنفيذي الأول في النظام التركي، بدلاً من السعي للترشح لمنصب رئيس الجمهورية ذي السلطات التنفيذية المحدودة. وهذا الأمر يتطلّب تبني إجراءات حزبية ورسمية تفتح الباب أمام استمرار قيادته للدولة... ولقد غدا ممكناً في ظل انتصاره الانتخابي الأخير.

أما في ما يخص أهم أزمة يعيشها العالم العربي اليوم، أي الأزمة السورية، فإن انعكاسات التطوّرات الأخيرة في تركيا ستعني احتمال ارتفاع وتيرة الدور أو التدخّل التركي لحسم الأزمة السورية. فهناك تحالف تركي - قطري تكتيكي قائم يهدف إلى دعم دور تنظيمات الإخوان المسلّحة الفاعلة على الأراضي السورية، تحت شعار دعم تنظيمات «الإسلام المعتدل».. وهو مطلب يتمتّع كذلك بالتأييد الأميركي - الغربي. ولذا فإن سياسة تركيا في توفير «الدعم الانتقائي» ستتوجّه بشكل أكثر علانية وكثافة لدعم دور ومكانة التنظيمات التي تلتزم بالفكر الإخواني، وجعلها أكثر تقبلاً على المستويين الإقليمي والدولي كونها البديل الجاهز لتنظيمات «الإسلام التكفيري - المتطرّف». ونجاح إردوغان في تحقيق هذا الهدف من شأنه زيادة شعبية السياسة التركية في العالم العربي، وسيكون له مردودات إيجابية على حلفاء تركيا الإقليمين.

وهنا يجب التذكير بالدور الفعال الذي لعبته تركيا في فتح جبهة عسكرية جديدة، وذات أهمية استراتيجية قصوى، ضد النظام السوري خلال الأسابيع الماضية، هي «جبهة الساحل» عبر تقديم الدعم لمقاتلي الفصائل الإسلامية لتحرير بلدة كسب الحدودية والتقدّم لتأمين منفذ بحري للثوار نحو سواحل اللاذقية. وقد يكون لتمكن الثوار من الاحتفاظ بالممرّ البحري وحمايته دور استراتيجي فعال مستقبلاً في انتصار الثورة السورية، بدعم من تركيا ومن حلفائها العرب.

وكخلاصة، في ظل التأييد الداخلي والمتغيرات الإقليمية، لن يجد إردوغان أي مبرّر يمنعه من المضي قُدماً بسياسة الدعم لتنظيمات الإخوان في العالم العربي، بل لن يجد أي منطق يدفعه إلى التفكير بتغييرها.

* رئيس مركز الخليج للأبحاث

تاريخ النشر - Publish Date
Issue Number
12927