ليس بالدرجة التي تؤذيه طالما ظل قادراً على تعزيز موقعه في الداخل

قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان بزيارة أذربيجان في 4 أبريل (نيسان)، في أول زيارة رسمية له عقب فوزه في الانتخابات المحلية التي أجريت في الثلاثين من مارس (آذار). وقبيل مغادرته متوجهاً إلى العاصمة الأذربيجانية باكو، صرح في مؤتمر صحافي في مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول بأنه سعيد لأن السياسة الخارجية التي طبّقتها حكومته هي أحد أكثر الأدوار أهمية في الدعم الذي تلقاه بنسبة 44 في المائة.

وقبل نحو عشرة أيام من ذلك المؤتمر الصحافي صُدم الشعب التركي بأخبار تسريب تسجيلات اجتماع أمني سرّي في وزارة الخارجية الأميركية حول سوريا إلى موقع «يوتيوب»، بعد تهديد من مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)». ويمثل التسجيل وتسريبه ومحتواه والحادث برمّته فشل سياسة تركيا الخارجية بشأن سوريا. وأدى اعتماد تركيا على معارضة الإخوان المسلمين في سوريا ضد نظام بشار الأسد إلى مواجهة موجات من الإرهاب، المتدفق عبر الحدود في الجارة التي تعصف بها الحرب الأهلية. وما سوريا إلا جزء فقط من ذلك، ففي مصر فشلت تركيا بسبب وضعها مرة أخرى كل البيض في سلة الإخوان المسلمين تحت حكم الرئيس السابق محمد مرسي بعد سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك.

وأجّل الاتحاد الأوروبي، الذي ترغب تركيا في الانضمام إليه، اجتماعاً للجنة الانضمام الأسبوع الماضي، حتى لا يؤذي أحد الأعضاء الآخر بسبب تركيا، ثم أعلن في ما بعد أنه سيكون بناءً على الإجماع المتبادل. وكان واضحاً أن المسؤولين الأوروبيين سينتقدون تركيا بسبب الحظر الأخير الذي فرضته الحكومة على موقعي «تويتر» و«يوتيوب»، ولن ينحني المسؤولون الأتراك أمامهم ولن يستجيبوا. (جاء الحظر على «تويتر» بعد موجة من الأشرطة حول الادعاءات بالفساد ضد إردوغان والدائرة المقربة منه، وجاء الحظر على موقع «يوتيوب» بعد تسريبات وزارة الخارجية، ورفعت المحكمة الدستورية الحظر عن الموقعين مما أثار استياء إردوغان أكثر).

وعندما عُين داود أوغلو وزيراً للخارجية عام 2009، وعد بسياسة «صفر مشكلات» على الإطلاق مع جيران تركيا، ولكن ليس لتركيا الآن سفراء في ثلاث دول مهمّة في المنطقة هي مصر وسوريا وإسرائيل.

مع هذا إردوغان راضٍ عن هذا المسار ما دام يحقّق له النقاط في السياسة الداخلية، ولأنه حقّق هذه الصور المختلفة من الفشل كتكلفة لدور تركيا (لكن في الواقع دوره هو) كحامٍ للشعوب المُضطهدة في المنطقة، ولكن في العالم الإسلامي، بصفة خاصة، ولقد وصف أحد كبار مستشاريه إبراهيم كالين هذا الوضع بـ«العزلة الثمينة».

إنه على خلاف مع إسرائيل لأنه، حسب رأيه، وحده من يحمي حقوق الفلسطينيين الذين تقودهم حماس في قطاع غزة، وهو على خلاف مع سوريا لأنه هناك، كما يقول، «لدعم حقوق الأغلبية السنّية المسلمة ضد الأسد الشرير» - وهو الذي كان يطلق عليه «أخي» ويقضي معه عطلات عائلية قبل الحرب - كما أنه على خلاف مع مصر لأنه يدافع عن حقوق أولئك المصريين الذين صوّتوا لزعيمهم زعيم الإخوان المسلمين الذي أطاح به ما يصفه إردوغان بـ«الانقلاب»، بل لقد استخدم إردوغان شعار رابعة العدوية الخاص بالإخوان المسلمين في مصر طوال حملته الانتخابية.

ولهذا كله فإن إردوغان راضٍ عن سياسته الخارجية، ليس لنجاحها الدبلوماسي... بل بفضل النقاط الداخلية التي تبقيه يحكم البلد.

من جهة ثانية، من الممكن أن نشهد تجدّد الاتصالات مع إسرائيل خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، إلا أن هذا لا يعني تغيراً في السياسة الخارجية، بل حفظ الوعد لرئيس الولايات المتحدة باراك أوباما بعد نحو سنة من قطعه له مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي. وحتى ذلك يعتمد على إن كان سيسمح له بزيارة غزّة كمنقذ قبل الانتخابات الرئاسية المقرّرة في أغسطس (آب) المقبل.

وفي المقابل، ثمة حاجة عاجلة إلى مراجعة أو ضبط السياسة التركية. بعض الخطوات اتخذت بالفعل إزاء قبرص، وإذا ما أتت بنتائج إيجابية فقد يكون ذلك تغيراً في اللعبة، ليس في علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي فحسب، بل في سياسات الطاقة الأوروبية أيضا إن تقرّر مرور الغاز القبرصي والإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا. ثم هناك أيضا الغاز والنفط الكردي والأذري، الذي قد ينقل إلى أوروبا عبر تركيا... ولن يؤدي ذلك إلى رضا روسيا وإيران. وبطبيعة الحال يعتمد ذلك على الخطوات الجديدة في الدبلوماسية، لكن الدبلوماسية بالنسبة لإردوغان مناسبة بقدر ما تخدمه في السياسة الداخلية. وبالتالي، بالنسبة إلى أي تغيير في سياسة تركيا الخارجية من الأفضل انتظار نتيجة الانتخابات الرئاسية.

* رئيس تحرير صحيفة «حرييت دايلي نيوز»

تاريخ النشر - Publish Date
Issue Number
12927