لأن إردوغان يسعى إلى تغيير العالم بدلاً من سياسته الداخلية

للأسف سقطت الحكومة التركية مرة أخرى في فخ الثقة المفرطة، ليس بشأن سياساتها الداخلية فحسب، ولكن في ما يتعلق بسياستها الخارجية أيضاً. ولم يسهم الانتصار الأخير للحزب الحاكم في الانتخابات المحلية بشيء سوى الوهم الناتج عن الثقة الزائدة بالنفس، بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء رجب طيب إردوغان.

ويشعر إردوغان بعد الانتصار الأخير أنه تأكدت صحة سياسته، وأن القوة هي الصواب، كما أنه يعتقد أن «القوة السياسية» لا تُستمد إلا من دعم الأغلبية، وأن الشرعية السياسية قائمة على الهزيمة العددية للمعارضة. في ظل تلك الظروف فإن إردوغان وحكومته لا يبدون أي إشارة لمراجعة مواقفهم، سواءً في المجال الداخلي أو في السياسة الخارجية، حيث إنهم يعتقدون بعدم حاجتهم إلى ذلك.

منذ البداية كان حزب العدالة والتنمية يحمل شعار العثمانية الجديدة التي تشمل الإسلاموية والحنين إلى العثمانية والقومية الوحدوية التركية. وعلى كل حال، لم يحدث هذا إلا بعد الشعبية الكبيرة التي تمتع بها إردوغان في منطقة الشرق الأوسط، التي أغرته ليعتبر نفسه زعيما مسلما عظيما. وبدأت رؤية العثمانية الجديدة للسياسة الخارجية تحدّد قرارات كبيرة.

إضافة إلى ذلك، بدأ إردوغان في استغلال زعامته الإقليمية والدينية التي يدعيها لنفسه، كوسيلة للتلاعب بالسياسة الداخلية. واستغل إردوغان هذه الوسيلة أخيراً بوصفه تحقيقات في أعمال فساد كبيرة بأنها «مؤامرة كبرى ضد الدور الإقليمي والعالمي المتعاظم لتركيا». ولهذا السبب خاطب إردوغان العواصم العربية والعالم الإسلامي ما وراء العواصم العربية في خطابه بعد الانتصار في الانتخابات المحلية.

ولهذا السبب وعلى الرغم من أن سياسة حزب العدالة والتنمية الخاصة بسوريا لم تفشل فحسب، بل تحولت إلى كارثة كبيرة أدت إلى الخصومة تقريباً بين تركيا وحلفائها الغربيين، لا يزال حزب العدالة والتنمية يبدو متمنعاً للغاية بشأن مراجعة سياسته الخاصة بسوريا. كما يبدو أن الوقت فات للتغيير، حيث إن تركيا تورّطت بشدة في تغيير النظام في سوريا، ووقفت بشكل كبير إلى جانب المجموعات المعارضة في الحرب الأهلية السورية.

إضافة إلى ذلك ما زالت الحكومة التركية تحاول التحكّم في الشؤون الكردية والحد من المكاسب الكردية في سوريا، على الرغم من وعودها المفترضة بإنهاء الأنشطة المضادة في المنطقة الكردية بسوريا، في إطار ما يطلق عليه عملية السلام الكردية والمفاوضات مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان. ويتهم الأكراد الحكومة التركية باستمرار دعمها لـ«داعش» ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المنتسب إليه، باستغلال المدن الحدودية مثل شيلانبينار كمراكز لوجيستية. ولهذا السبب يتهم حزب السلام والديمقراطية الكردي الحزب الحاكم بتزوير الانتخابات في بلدية شيلانبينار.

كذلك لا تسير سياسة تركيا الخارجية تجاه مصر في أي اتجاه أفضل مما هي عليه. وبغض النظر عن أن التدخل العسكري كان اعتداء على الديمقراطية في نظر الكثيرين ومنهم شخصي، لكن لا يمكننا إغفال حقيقة أن رد فعل الحكومة التركية كان نوعاً من الفضيحة، إذ إنه تحول إلى تدخل في الشؤون الداخلية لمصر. وتخلط الحكومة التركية بين النقد القائم على المبادئ والتدخل الحكومي كلاعب سياسي في بلد آخر.

ومضت الحكومة التركية إلى أبعد من ذلك في تدخلها في شؤون الآخرين، واتهمت الدول الإقليمية الأخرى والقوى الغربية بدعم الانقلاب في مصر. وعلى الرغم من كل ذلك لا تعبّر الحكومة التركية عن أية نية للمراجعة الجادة لسياستها الخارجية الخاصة بمصر أو غيرها، خصوصا بعد شعورها بالثقة الكافية بعد الانتخابات المحلية، التي تحولت في الواقع من انتخابات محلية إلى استفتاء، حتى وإن لم يكن على الحزب الحاكم فعلى زعيمه إردوغان.

إردوغان الذي يعتبر نفسه زعيماً للعالم الإسلامي، يعتقد أن زعامته أجيزت من جديد، ليس فقط بواسطة أصوات الناخبين في تركيا، بل أيضا بـ«دعوات كل المسلمين في جميع العالم»، كما قال إردوغان. فلماذا يحتاج إلى تغيير سياسته الخارجية بدلاً من تغييره للعالم؟ هذه هي عقلية رئيس الوزراء التركي إردوغان ومناصريه، فليكن الله في عون تركيا.

* باحثة سياسية وكاتبة تركية

تاريخ النشر - Publish Date
Issue Number
12927