د. ليلى خلف السبعان
رئيسة تحرير مجلة «العربي» الكويتية
TT

مجلة «العربي» ومدن الحرير

تسعى المؤسسات المالية، والحكومات، جنبا إلى جنب مع المراكز الثقافية، من أجل إنشاء روابط اقتصادية تحيي سبل للتبادل التجاري، فضلا عن الرغبة في دعم التواصل الثقافي، وقد أخذ هذا السعي سمتا محتواه واحد، لكنه يحمل أسماء مختلفة. وقد رأينا كيف أصبح هذا الموج الهادر في العالم من حولنا، الذي يهتم بقيم تؤكدها الكويت، وأساسها الحوار، ووسيلتها التواصل، وهدفها السلام، كان لا بد له من أصداء داخل الدولة، تأتي في إطار رغبة الشيخ صباح؛ أمير الكويت، في تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري عالمي. لذلك برزت فكرة تخصيص ملتقى مجلة «العربي» لدراسة حضور وتفاعل الثقافة العربية على طريق الحرير، وهو الملتقى الذي شرفت بالاشراف عليه، ودعوت إليه أكثر من 80 باحثا أكاديميا وإعلاميا، ليضعوا لبنة الدراسات عن هذا الطريق، الذي أرى مستقبلنا مرسومًا على محطاته.
وليس هناك من دليل أكثر من اختيار دولة الكويت لمشروع «مدينة الحرير»، ليكون مدينة عالمية ومركزاً مالياً وتجارياً دولياً وإقليمياً.
ربما يكون من نافل القول الإشارة إلى منشآت مدينة الحرير المستقبلية، لأنها تعد قوامًا أساسيا لأية مدينة عالمية، وإنما يهمنا الإشارة إلى المدينة الثقافية التي تحتضنها مدينة الحرير، في قلب شبه الجزيرة المشرف على الخليج العربي، حيث سيجري إنشاء مركز جديد للدبلوماسية والثقافة والمجتمع الأكاديمي ليصبح مركزا للتميز العالمي تحتوي متاحفه الفنون الأدائية والمرئية والآثار والحرف اليدوية والإسلامية.
وفي خضم عالم متحول، وبقلب عصر جديد متغير، وتحت تأثيرات إقليمية وعربية ودولية، تتخذ الأمم قرارات تسهم في رسم صورة إيجابية للمستقبل. وكل ما ذكر في خريطة العمل بمشروع مدينة الحرير، وهو ما يجعلنا نتطلع أن تتضافر المؤسسات الثقافية بدول الخليج العربية من أجل عمل مشترك.
يصب في هذا السياق، ويبعث على التفاؤل، ويعطي الأمل بمستقبل أفضل يسعى كل منا إليه، ويخطط له، من أجل أجيالنا القادمة. لكنني أؤكد على ضرورة حضور الرؤية الثقافية، من أبسط الأمور إلى أشدها تعقيدا، مصاحبة لهذه الرؤية الاقتصادية الهائلة لمشروع القرن بالنسبة لدولة الكويت.
بالأهمية ذاتها تابعت، وتابع معي الأكاديميون والمفكرون ورجال الإعلام من حضور ملتقى مجلة «العربي»؛ الثقافة العربية على طريق الحرير، ما قدمه أصحاب الأوراق الأخرى، حيث حظي التثاقف بين ثقافتنا العربية والثقافات الآسيوية العريقة برؤى متعمقة، في مختلف الشؤون الثقافية؛ أدبية وفنية وتاريخية.
ومثلما اجتمع على المنصة باحثون من الشرق الأقصى والعرب، تحاورت الأفكار كما في جلسة الصينية الدكتورة تشانغ هونغ يي (زاهرة) والدكتور محمد سعد المقدم، سلطنة عُمان، ومثلما اجتمع الناقد بشير عياد من مصر، والشاعر موسى بيدج من إيران. كما كانت هناك مساحات تجارب المخضرمين في مد الجسور مثل الشاعر الإماراتي الدكتور شهاب غانم، الذي عرف القراء العرب بالشعر في شبه القارة الهندية، والدكتور سيد جهانغير الذي قدم الثقافة العربية إلى طلاب جامعته في كيرالا، والمترجم كامل يوسف حسين الذي نقل أدب الشرق الأقصى، وبخاصة الياباني، في نحو 80 كتابا. كما تحدث الشاعر السوري نوري الجراح عن تجربة مشروع أدب الرحلة، ارتياد الآفاق، ودوره في إيجاد مساحات تواصل.
أما الفنانة التشكيلية د. سماء يحيى فتحدثت عن فنون الرسم، ومنها تصوير المنمنمة، وكيف كانت علاقات العرب والمسلمين القوية مع الصين ذات تأثيرات ثقافية فأثرت فنون الشرق الأقصى في مدارس الفن في تركيا وبغداد والمدرسة المغولية التيمورية.
وهذه الأوراق وغيرها، تؤكد حقيقة واحدة هي أن مستقبلنا الزاهر رهن بازدهار طريق الحرير، دربا للحوار، والتواصل، الثقافي، والتجاري أيضا.
هذا الطريق الذي بدأ بتبادل الشاي والتوابل والحرير في العام الأول قبل الميلاد، قد استمر خمسة عشر قرنا، وتحولت التجارة فيه إلى الثقافة كذلك، فازدهر تبادل المخطوطات والفنون ومختلف ثقافات حضارات الأمم.
أوراق وأفكار كثيرة، ومناقشات ثرية، ساهمت بها قامات جاءت من 21 دولة، مثل د. أحمد الضبيب، ود. صلاح فضل، ود. يوسف بكار، ود. مفيد شهاب، وغيرهم، تؤكد ثراء الموضوع والحاجة إلى طرحه مجددا لتعم فائدة نسعى إليها جميعا.
* رئيسة تحرير مجلة «العربي» الكويتية