د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

مكافحة العدوى في المستشفيات مشكلة عالمية

لا تزال جهود مكافحة العدوى في المنشآت الصحية مشكلة عالمية، لم تنجح في تخفيف حدتها، وليس القضاء عليها، الأنظمة الصحية المتطورة في الدول المتقدمة، ناهيك عن غيرها. وربما يكمن السبب في أن مكافحة العدوى في المستشفيات ليست مكونة من وسيلة واحدة، بل إنها منظومة من الوسائل التي يجب أن يجري تطبيق جميع عناصرها للوصول إلى خفض ملموس في معدلات انتشار العدوى الميكروبية بين المرضى وكذا بين العاملين فيها كمرحلة أولى، ثم بعد ذلك للوصول إلى منع حصول تلك الأنواع من العدوى المرتبطة بوجود المريض أو العامل الصحي في أي منشأة صحية.

إن عدم النجاح في مكافحة عدوى المنشآت الصحية هو مشكلة عالمية، لأنها بالفعل كذلك، فهي تطال جميع دول العالم ومنشآتها الصحية وتشكو منها أرقام الإحصائيات. وهي مشكلة عالمية لأن كلفتها البشرية والمادية لا تزال عالية. وعلى سبيل المثال ففي الولايات المتحدة وفق أحدث الإحصائيات، يموت 100 ألف شخص سنويا بسبب العدوى المرتبطة بالمنشآت الصحية، وتتجاوز الكلفة المادية لمعالجة المصابين بها 33 مليار دولار سنويا. هذا في الولايات المتحدة فقط دون بقية أرجاء العالم.

وهي مشكلة عالمية لأن حلّها يصعب في الوقت الراهن على أكثر الأنظمة الصحية تطورا في العالم، على الرغم من أن طريق الحل واضح ومنظومة الوسائل معروفة وفوائدها ثابتة بالأدلة العلمية. أما لماذا، فلأن هناك عوامل متعددة من الضروري توفرها لنجاح الوسائل تلك. ومن بين الوسائل الأساسية، وذات التأثيرات العميقة والمتشعبة، التي قد تبدو للبعض «سهلة» أو «بسيطة» أو «ليست هي الحل»، على جهود مكافحة العدوى، تنظيف العاملين الطبيين أيديهم من الميكروبات قبل وبعد ملامسة المرضى، وهو ما يشمل الأطباء والممرضين والفنيين الذين يُلامسون بشكل مباشر المريض ضمن خطوات أداء عملهم في معالجته وخدمته. ومعلوم أن تنظيف اليدين يجري إما بالغسل بالماء والصابون أو الفرك بسائل كحولي خاص alcohol - based hand sanitizer، ولكليهما ضوابط في كيفية ومدة غسل اليدين بالماء والصابون، وكذا في مواصفات السائل المستخدم للفرك بغرض التنظيف.

ودعونا نراجع فقط عاملين في شأن وسيلة تنظيف اليدين من مجموعة الوسائل اللازم تطبيقها لمكافحة عدوى المنشآت الصحية، وتحديدا عامل توفير المنشآت الصحية للسائل الكحولي لتنظيف اليدين وعامل تجاوب الأطباء مع تعليمات ضرورة تنظيفهما بصفة صحيحة.

وضمن عدد مارس (آذار) من «المجلة الأميركية لمكافحة العدوى» American Journal of Infection Control، عرض الباحثون من كلية التمريض بجامعة كولومبيا في نيويورك دراستهم المشتركة مع منظمة الصحة العالمية حول تطبيق المنشآت الصحية بالولايات المتحدة لاستراتيجية منظمة الصحة العالمية الخاصة بتنظيف اليدين، وهي الاستراتيجية التي التزمت بتطبيقها مجموعات من المنشآت الصحية بالولايات المتحدة منذ عام 2009. وعلى الرغم من دعوة الباحثين لـ2238 منشأة صحية للتجاوب مع عملية متابعة نتائج الالتزام بالتطبيق، فإن عدد المنشآت التي تجاوبت معهم لم يتجاوز 168، أي 7.5 في المائة فقط. وبتحليل نتائج تلك المنشآت الصحية التي تجاوبت، في جانب مدى توفيرها للسائل الكحولي الخاص بتنظيف اليدين في الأماكن التي تمس الحاجة فيها إليه، أو ما يعرف بـ«نقطة تقديم الرعاية» Point Of Care، لاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن 77 في المائة فقط منها توفر ذلك السائل الكحولي في الأماكن التي تمس الحاجة لوجوده. وهو ما وصفه الباحثون بأنه يُعرّض للخطر نجاح جهود استئصال انتشار العدوى بالميكروبات في المستشفيات. كما لاحظ الباحثون أن 50 في المائة منها فقط رصدت مبالغ مالية من ميزانياتها لبرامج تدريب العاملين الصحيين فيها على كيفية تنظيف اليدين Hand - Hygiene Training.

وقال الباحثون: «حينما لا تُركّز المستشفيات على تنظيف اليدين فإنها تضع المرضى في خطر العدوى الميكروبية القابلة بالأصل للمنع من الانتشار». ووفق ما ذكره موقع المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة NIH في عرضه لملخص الدراسة، فإن واحدة من بين كل 10 منشآت صحية أفادت أن الإدارة العليا فيها، مثل المدير التنفيذي أو المدير الطبي أو المدير التمريضي، فشلوا في إبداء التزام واضح في تحسين مستوى تنظيف اليدين. وعلّق الباحثون بالقول: «إن إدارة نغمة الامتثال لإرشادات مكافحة العدوى مكانها المستويات العليا في إدارة المنشأة الصحية، وقد وجدت دراستنا أنهم لا يُقدمون كل ما بإمكانهم في إرسال رسالة واضحة أن مكافحة العدوى أولوية لديهم».

ومن جهة أخرى، ووفق أحدث نتائج الدراسات الإحصائية لتقييم مدى التزام العاملين الصحيين بتنظيف اليدين، وخاصة الأطباء، نلحظ أن النسبة في أفضل أحوالها ما بين 50 إلى 60 في المائة، والأطباء هم الأدنى في الالتزام مقارنة بالممرضين والفنيين. وكثيرة هي الدراسات التي عرضت وسائل التحفيز والمراقبة لرفع مستوى الالتزام بهذا السلوك الصحي المهم في حماية المرضى قبل حماية الأطباء أنفسهم.

وضمن عدد أبريل (نيسان) من نفس المجلة الطبية المذكورة آنفا، عرض الباحثون من مستشفى كلية النساء Women›s College Hospital في تورونتو نتائج دراستهم حول التأثيرات الإيجابية لإشراك المريض في مراقبة مدى التزام الطبيب بتنظيف يديه قبل لمسه للمريض وبعد ذلك. واللافت للنظر، وللدهشة أيضا، أن نسبة التزام الأطباء بهذا الذوق السلوكي الصحي بلغ 97 في المائة! وتحديدا طُلب في الدراسة من المرضى مراقبة وتدوين مدى تجاوب العاملين الصحيين الذين يقومون بخدمتهم بالقيام بتنظيف أيديهم قبل وبعد ملامسة المريض. واعترف 88 في المائة من الأطباء المشمولين في الدراسة أنهم شعروا بمزيد من الرغبة في الالتزام بهذا السلوك الصحي، وأفاد 33 في المائة أن إشراك المريض كان عاملا مساعدا في فتح الحوار بين المريض والطبيب حول أهمية مكافحة العدوى ووسائل تحقيق ذلك. وقال الباحثون: «إن إشراك المرضى هو اختيار سهل وواضح وعملي». وهو ليس كذلك فقط، بل وسيلة تضمن التزام الطبيب والممرض والفني، بدليل ارتفاع نسبة الالتزام، تحت طائلة الوقوع في الحرج الشديد أمام المريض بسبب وضوح مخالفة تنفيذ الالتزام الأدبي والقانوني بحمايته من الإصابة بالعدوى وبتقديم الخدمة الصحيحة له من قبل الطبيب نفسه ومن بقية العاملين الصحيين أنفسهم.