علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

البحيرات

كانت البحيرات المصرية لآلاف السنين مصدرا للخير والثروة السمكية، وفي أقل من 50 عاما تحولت إلى مصدر أكيد للتلوث ومناسر للصوص وأوكار للشر والفساد. وما بقي بها من أسماك لم يعد صالحا للاستهلاك الآدمي. منذ أقل من نصف قرن أو نحو ذلك، كان السمك والجمبري هو طعام الفقراء، ودارت الأيام دورتها وتحول السمك إلى طعام للأثرياء فقط، بل ربما للشريحة العليا من الأثرياء. كان من السهل علي عام 1961 أن أتقدم من منفذ البيع لمحل سمك شهير في أرض شريف بالعتبة، وأمد له يدي بنص فرنك (قرشين) وأطلب منه بقرشين سمك مع رغيف. في كل حي من أحياء القاهرة الغنية والفقيرة كان يوجد عدد كبير من المحلات التي تبيع السمك.
هل ما حدث لهذه البحيرات يمثل مشكلة لم يتصد لها أحد، أم أن هذا التحول من الخير للشر جزء من كل، أي أننا حرصنا في النصف قرن الماضي على تحويل كل منابع الخير في مصر إلى مصادر للتلوث والشر؟.. طبعا حديثي عن البحيرات المصرية يسري أيضا على النيل.
السؤال هو: هل ما حدث للنيل وللبحيرات يشكل مشكلة مزعجة للنخبة؟ أم أنهم ينظرون إلى ذلك باعتبارها فتنة لعن الله من أيقظها. أريدك أن تلاحظ أننا لا نقترب عادة من تلك المشكلات التي يعود إلينا الفضل في صنعها، وربما أيضا نسعد بها باعتبارها صناعة مصرية وليست من صنع الإمبريالية.
راجع أوراق الصحف. راجع برامج الفضائيات، لن تجد إشارة ولو من بعيد لتلك المشكلة.. لماذا؟
أنا أعتقد أن هناك اتفاقا صامتا بيننا جميعا لعدم فتح ملف النيل وما حدث له ولنا بعد إقامة السد العالي، لا نريد أن نكتشف شيئا يصدم عواطفنا. أما بحيرة السد العالي، التي قيل يوما ما إن السمك فيها لا يجد من يصطاده، وإن كل أنواع الأسماك الأليفة في البحيرة توحشت. وفجأة عرفنا أن المصنع الوحيد الذي أقيم على ضفافها أغلق أبوابه لأنه لم تعد هناك أسماك في البحيرة.. يا صلاة النبي.. هي أكبر بحيرة صناعية في التاريخ، بطول 500 كيلومتر، ومساحتها 5250 كيلومترا مربعا. كيف ولماذا اختفى منها السمك، ترى من ضايقه وأرغمه على ترك البحيرة؟.. أم هي مؤامرة من دولة معادية تمكنت من شفط السمك.
إن خبر اختفاء الأسماك من البحيرة، لم يطرف له جفن من النخبة المفكرة الساهرة على حل مشكلات الشعب المصري.
إذا كان لي أن أتكلم مع حكومة مصر القادمة، فإني أقول لها: عينك على المؤرخ وليس على الشارع.
هناك ملفات لا بد من التعامل معها بصراحة وقوة، منها ملف السلام، وملف علاقتنا بحماس والأنفاق وملف النيل والسد العالي حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بعلماء العالم كله، ليقولوا لنا ماذا نفعل؟ للحصول على الكهرباء، وإعادة النيل والبحيرات والبحيرة إلى ما كانت عليه من نظافة.