زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

عمرو موسى

كان اللقاء الأول بيني وبين السيد عمرو موسى مصادفة ودون ترتيب؛ حينما كان مندوب مصر الدائم بالأمم المتحدة، وتطرق الحديث إلى ضرورة إرسال معرض رمسيس الثاني - الذي كان في ذلك الوقت يزور عدة مدن أميركية - إلى مدينة سان أنطونيو، في الوقت الذي كانت هناك معركة بين مدينتي دالاس وسان أنطونيو على استضافة المعرض.. وكان رئيس هيئة الآثار في ذلك الوقت يميل إلى إرسال المعرض إلى دالاس! وكان الأمر الغريب الذي لاحظته هو معرفة السيد عمر موسى بكل تفاصيل المعرض وجولته، وعندما سألته لماذا هذا الاهتمام من رجل دبلوماسي تشغله السياسة؟ كانت الإجابة ببساطة، إن الدبلوماسية المصرية هي امتداد لأول دبلوماسية عرفها تاريخ البشرية؛ أقامها قدماء المصريين، وأن الفراعنة وآثارهم لا يزالون إلى يومنا هذا أفضل سفراء لمصر، وعن طريق الآثار استطاعت مصر تحقيق مكاسب سياسية كبيرة.. شدني حديث السيد عمرو موسى وعلمت أن هذا السياسي الماهر سوف يكون له شأن عظيم في الدبلوماسية المصرية، وقد رأيته وهو وزير خارجية مصر ثم أمينا عاما لجامعة الدول العربية. وبعد مرور سنوات على حديث السيد عمرو موسى معي عن أهمية التراث الأثري المصري، أجد حديثة يرن في أذني كما لو كان قد حدث بالأمس والسبب هو أن السيد عمرو موسى قد حرص على أن يترجم إيمانه بالآثار وقيمتها إلى فعل وأن يضع مادة دستورية - وهو رئيس لجنة الخمسين التي وضعت دستور مصر الحالي - وفي هذه المادة تلتزم الدولة المصرية بحماية والحفاظ على التراث الأثري.. كان لا بد من الحديث عن مجهودات عمرو موسى في الحفاظ على آثارنا؛ وهو ما قد لا يعلمه كثيرون من المهتمين بالشأن الأثري، خاصة وأن هناك بطلا من ورق أشاع في كل وسائل الإعلام أنه قاد حربا ليجعل الآثار محمية بنص الدستور! المهم أن أصعب شيء هو أن تكتب عن قامات كبيرة في بضعة سطور هي كل المتاح لك؛ ورجل كعمرو موسى يحتاج إلى مجلد يتحدث عنه وعن مدرسته الدبلوماسية الفريدة، فعلى عكس ما هو متعارف عليه في هذا المجال استطاع عمرو موسى بشخصيته القوية وثقته في نفسه وفي بلده حجما ومكانة أن يجبر كيانات كبيرة متغطرسة على التزام لهجة يكسوها الاحترام والمعاملة بمبدأ الند للند مع مصر.. وكانت مواقفه القوية وحسمه هو ما جعله أشهر وزير خارجية لمصر يعرفه رجل الشارع البسيط؛ بل إنه لا يزال وزير الخارجية الوحيد الذي احتفى به الغناء الشعبي ولا تزال أغنية شعبان عبد الرحيم: «أنا بكره إسرائيل وبحب عمرو موسى» يحفظها ملايين المصريين والعرب.. لقد حقق ولأول مرة عمرو موسى المعادلة المستحيلة وهي أن تكون من ذوي الياقات البيضاء وفي نفس الوقت تصبح بطلا شعبيا واسما يتغنى به البسطاء.. وما وصل إليه عمرو موسى من مكانة في العالم كله نابع من شخصيته المصرية الأصيلة التي تعرف قيمتها وتعتز بأصلها الضارب في القدم.. مصر لا تحتاج من أبنائها سوى أن يقدروها حق قدرها، وأن يفتخروا بأنهم مصريون.. هذه تحية إعجاب وتقدير للسيد عمرو موسى الذي لا يزال يعطي دروسا في الوفاء والإخلاص لبلده.. مصرنا الحبيبة.