محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

كيف تتشكل عاداتنا؟

احتار كثير من العلماء، ونحن معهم، في معرفة كيف تتكون عاداتنا، السلبية والإيجابية، حتى جاء فريق من الباحثين في جامعة MIT الشهيرة، بدراسة مهمة ولافتة حاولت أن تفهم كيف تتشكل عاداتنا.
فجاءوا كالعادة بفئران التجارب ووضعوا كل واحد منها في متاهة أو ممر على شكل حرف T بحث يوضع الفأر في أسفل الحرف ثم ينصب أمامه حاجز يمنعه من رؤية نهاية الممر (حرف T) ووضعوا في آخر أحد طرفي الحرف قطعة من الشوكولاته. فلاحظوا أنه ما إن تطلق الصافرة ويعقبها فورا فتح الحاجز يبدأ الفار بالسير ببطء وتردد. وكان الباحثون يراقبون ماذا يحدث في دماغه عبر مجسات دقيقة ثبتها علماء أعصاب عليه. فلاحظوا أن الفأر وهو يتقدم ببطء وحيرة كان كلما شم رائحة الشوكولاته المخبأة له زادت الأنشطة الذهنية في دماغه.
ومع إعادة التمرين لعشرات المرات، مع فئران أخرى، صار الفأر أسرع في حركته وفي وصوله إلى المكافأة (reward) ليلتهمها، وكان لافتا أن نشاطه الدماغي يقل بصورة كبيرة كلما كثرت محاولاته، وكأنه أتقن اللعبة، وهو ما فسره العلماء بأنها عادة بدأت تتشكل لديه، وذلك مثل عادة استخدام فرشاة الأسنان أو قيادة السيارة أو الرجوع بها إلى الخلف بمهارة من دون توتر أو حاجة للتركيز مقارنة بمرحلة تعلم القيادة المربكة. بعبارة أخرى أصبحت القيادة عادة.
ومما هو جدير بالتأمل ما نقله مؤلف الكتاب الرائع «قوة العادات» عن باحث ضليع في دراسة العادات الذي قال، إن «دماغ الإنسان لا يفرق بين عادة جيدة وغير جيدة»، في إشارة إلى أنه يحركه عنصر المكافأة المرجوة. على سبيل المثال، حينما يغضب الإنسان قد يصرخ فيخاف أو يتوقف محدثه عن مجادلته أو شتمه فتصبح تلك العادة متأصلة فيه لأنها تولد لديه استجابة فورية مريحة. مثل من يلتهم قطع الحلوى تلو الأخرى لحاجته من السكريات أو الطاقة، ولو أنه انتبه إلى ممارسته عادة غير صحية بتأجيل قراره، مثلما يؤجل المدخن تدخين سيجارته أملا في تقليل عدد ما يدخن، لشعر لاحقا بالاستفادة.
ولذا يرى العلماء أن معظم العادات يصعب أن نغيرها ما لم ندرك أهمية التغيير، والأهم من ذلك أن نستبدلها أو نوقفها أو نقلل منها تدريجيا حتى نتخلص منها إن كانت سلبية. والعكس صحيح للعادات الإيجابية.
وما أراه لافتا ويستحق التدبر من كل فرد أو مسؤول هو ما توصلت إليه دراسة جامعة ديوك عام 2006 من أن «40 في المائة من قراراتنا هي في الأصل ليست قرارات، بل هي عادات نمارسها من دون أن نشعر». وهناك عادات يمارسها الأفراد وعادات تمارسها المؤسسات. وكلما زادت العادات الجيدة التي تمارسها المؤسسات ارتفعت بطبيعة الحال فرصة تميزها عن غيرها ممن لا يعير اهتماما يذكر لأهمية الموازنة بين المصاريف والمداخيل، مثلا، أو مثل من لا يأبه بأهمية التعامل بكياسة وتقدير مع الموظفين ونسيان أهمية مؤازرتهم، وربما ملاطفتهم والشد من أزرهم في ذروة الضغوطات الوظيفية.
ولمن يتطلع للاستزادة من هذا الموضوع ننصحه بقراءة كتاب «قوة العادات» لمؤلفه تشارلز دوينغ، وكثير مما استشهدت به أعلاه تناوله بعرض موسع وشائق.
[email protected]