حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

هدف البرازيل الأجمل!

لعل من أهم «المنح» الطبيعية التي تعطى للشعوب «الصفات» التي تكون جزءا أساسيا من الهوية، وبالتالي من سمة الأوطان، وهذا يصبح جزءا من «الأصول» و«القيمة» لتلك الدول، إذا ما استطاعت توظيفها بالشكل اللائق، وهذا طبعا بعيدا جدا عن الموارد الطبيعية لكل من هذه الدول.
وهناك بطبيعة الحال دول أجادت وأتقنت توظيف هذه المنح والصفات بحيث تحولت إلى «جزء» من المكون والعائد الاقتصادي.. فمثلا الألمان معروفون بالإتقان والدقة، وهم، مع مرور الوقت، حولوا هذه السمعة إلى مكون أساسي بما يصنعونه وينتجونه، فأصبح المنتج الألماني «انعاكسا» للشخصية والطبع الألماني.
والبرازيل التي عرف شعبها بحبه للحياة والاحتفال والمناسبات، تألقت في مجال «كرة القدم»، وأصبحت منجما لنجوم هذه اللعبة الآسرة، التي تحظى بمتابعة مئات الملايين حول العالم، وتعد اللعبة الرياضية الأولى وأكثر ما يدخل من المال في صناعة الترفيه، فالبرازيل تمكنت من تحويل «لعبة» أو «رياضة» إلى رافد من روافد المال والاقتصاد لديها، فاليوم عدد اللاعبين الذين تخرجهم البرازيل من عشوائيات وأماكن الفقر في ريو دي جانيرو إلى كبرى الأندية الكروية حول العالم، يقدر بعشرات الآلاف، وهو ما يدر على الاقتصاد البرازيلي ما يزيد على العشرين مليار دولار بأشكال مباشرة وغير مباشرة، ويوظف المئات من المنتفعين في المجالات المعنية المختلفة.. وأصبح نجم مثل «بيليه»، الجوهرة السوداء وأسطورة كرة القدم البرازيلية الذي تجاوز السبعين من العمر، نجما عابرا للقارات يحظى بالحضور والقبول «الاستثنائي» أينما حل، وتجاوزت محبته أجيالا أحبته وقدرته. ولا تزال البرازيل قادرة على إنتاج المزيد من النجوم والأساطير.
واليوم تستعد البرازيل لاستقبال أهم مناسبتين رياضيتين يعرفهما العالم، بشكل متتال، فهي ستكون مضيفة المناسبة الأولى، وهي بطولة كأس العالم لكرة القدم، وبعد سنتين ستكون مدينتها ريو دي جانيرو هي التي ستستضيف الألعاب الأولمبية في عرس رياضي آخر ومهم.
البرازيل حولت الهوس الرياضي الذي لدى شعبها إلى صناعة متكاملة للسياحة والترفيه والمتعة، فنتج عن ذلك صناعة موسيقى خاصة بالبرازيل، وقدمت للعالم نوعية خاصة من موسيقى الجاز المسماة «بوسسا نوفا»، وكذلك قدمت للعالم رقصات أسطورية أشبه باللغة العالمية مثل الـ«سامبا» والـ«ماكارينا»، بل إن هذا الهوس بالحياة انعكس على أنواع «الشباشب» التي يرتديها البرازيليون على شواطئ «كوبا كوبانا» العملاقة، فأصبحت بالتالي ماركة الشباشب البرازيلية «هافيناز» إحدى الماركات الساخنة جدا، التي يجب على الشباب كافة اقتناؤها وارتداؤها أمام نظرائهم.
البرازيل التي «جذبت» العالم بحبها للحياة وفتنت المتابعين لأساطيرها الكروية ليتغنوا بأداء لاعبيها الساحر، أصبحت مقصدا للمهاجرين وللأحلام والنجاحات، وللفشل أيضا. واليوم بعد أن انصهرت أحلام أهلها بآمال المهاجرين إليها، تولدت برازيل جديدة وتحولت مع الوقت إلى قوة حقيقية في العالم الاقتصادي اليوم، تنتج السيارات والطائرات وتبني المصانع، بالإضافة لأفضل بُنٍّ ودجاج وفواكه ولحوم في العالم.. بلد أسر العالم بمزاح وحب للحياة، ومع الوقت أخذ الموضوع بجدية وحماس وعمل دؤوب. ولم تعد البرازيل عالة على العالم مثل غيرها من الدول الفاشلة، ولم يعد تعداد سكانها الكبير الذي يتجاوز الثلاثمائة مليون نسمة، ولم يكن الفقر والجهل (الموجودان بقوة فيها)، عذرا ولا عائقا أمام النمو والتطور والإصلاح.
البرازيل تستعد «لرقصة» احتفالية استثنائية وزفة كرنفالية غير عادية. يقول العالم للبرازيل: مرحبا بكم إلى عالم الصف الأول بجدارة. القوى الناعمة لا يمكن الاستهانة بها في تشكيل توجهات الشعوب والدول.