مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

آخر الزمان

بعد انتشار حكاية مدرب الكاراتيه المصري الذي حول صالة التدريب إلى مخدع للمتعة مع سيدات كثر، اهتز الإعلام المصري، وحاول جمهور كل طرف من أطراف الصراع، الإفادة من وقع هذه الفضيحة في سوق السياسة.
من يتابع الإعلام المصري، خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي، يلاحظ محاولات التوظيف هذه، مع أن الأمر، في النهاية، مجرد جريمة، على بشاعتها، كغيرها من الجرائم.
هناك في مصر، وفي غيرها حتى، احتقان سياسي يسعى لتوظيف كل شيء وتقديمه حطبا في موقد السياسة. لذلك، تنازع أنصار «الإخوان» مع خصومهم لتوظيف هذه الفضيحة، ودخلت برامج الحوار على الخط، لكن اللافت كان تعليق الشيخ أحمد كريمة، أحد علماء الأزهر المشاهير، وهو خصم لـ«الإخوان»، إذ نقلت صحيفة «الوطن» المصرية عنه قوله إن ما حصل داخل النادي «يدل على أننا في آخر الزمان».
وهذا التعليق يتجاوز الحالة المصرية إلى ملاحظة أشمل، وهي رصد هذا الشعور الملحمي القيامي الذي يعتري كثيرا من النفوس القلقة حيال التفتت والتسلخ الذي يصيب العالم كله.
الدنيا غير التي نعرف، والقلق سيد المشاعر، والوجل والوجوم من المستقبل صارا محركين عميقين لكثير من الأرواح. في مثل هذه اللحظات تزيغ الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر، فَرَقا من المجهول وحنقا من العجز عن تغيير الحال القائم.
في السعودية، كتب أحد الوعاظ في «تويتر» أخيرا، متوقعا قرب قيام القيامة قائلا: «اقترب للناس حسابهم»، مستندا في هذا التوقع الرهيب إلى رؤيا (حلم) رآها صديق له، واعظ مثله.
هذا يذكرنا بما جرى لجماعة جهيمان، التي احتلت الحرم المكي 1979 بدعوى كثرة الأحلام التي تدل على وجود المهدي المنتظر معهم. وكانت رسائل جهيمان نفسه، لمن طالعها، حافلة بهذا الجو الملحمي القيامي.
الغريب أن هذه الإشارات المتكررة لقرب نهاية الدنيا، وتزايد ظاهرة مدعي المهدوية أو أنهم المسيح المخلص، في العالم كله لا العالم الإسلامي فقط، تتزامنان مع نمو ظاهرة أخرى هي ظاهرة اللادينية، أو الإلحاد، خاصة بين الشباب والمراهقين.
للتنبيه، فإن هذه الظاهرة اللادينية حاليا ليست خاصة بالمجتمعات العربية، كما يتوهم بعض الوعاظ والكتاب، بل هي ظاهرة عالمية من ظواهر «ثورة الاتصالات» لها تأويل نفسي واجتماعي.
حسب موقع «سي إن إن»، فقد أشار الباحث في المعلوماتية آلان داوني إلى ظاهرة تزايد المنتمين إلى فئة «الذين لا ينتمون إلى أي دين» من بين الأميركيين عبر السنوات، ملاحظا أن عددهم تزايد من ثمانية في المائة عام 1985 إلى 25 في المائة حاليا.
وتتفق تلك الأرقام مع دراسة موثقة حول الدين أعدها مركز «بيو». وفي دراسة آلان هذه، لاحظ أن استخدام الإنترنت لدى البالغين كان تقريبا صفرا عام 1990 ثم أصبح 80 في المائة إثر ذلك بعشرين سنة. وخلال تلك الفترة، تزايد عدد اللادينيين 25 مليونا.
البشر في لحظات الحيرة يخبطون خبط اليائس في لجة الموج.