ودعت السعودية الدكتور إبراهيم بن عبد الله المنيف، أحد أبرز القيادات الحكومية السعودية في قطاع الإدارة التنفيذية وصاحب المبادرات والإنجازات اللافتة بعد أن فارق الحياة، تاركا مسيرة عملية امتدت نصف قرن، حقق خلالها إنجازات سجلت باسمه مع كوكبة من العاملين معه في القطاعات المختلفة التي تولى إدارتها.
يعد المنيف المبتكر والمحرض والمحفز والمحرك لكثير من الإجراءات التنفيذية الحكومية، لعل أبرزها تجهيز وإعداد وترتيب وتنظيم أول مكتبة إدارية متخصصة في الوطن العربي بمعهد الإدارة العامة، وتجهيز وإعداد أول فرع لمعهد الإدارة في جدة من خلال تشييد وترميم أقدم مبنى إسمنتي معروف جرى إنشاؤه عام 1936، وتحويله فرعا لمعهد الإدارة العامة، إلى جانب تنظيم وتفعيل الإقراض السكني والاستثماري وإعداد آليات منح القروض حسب الترقيم الأولوي بكل عدالة قائمة حتى الآن بصندوق التنمية العقارية، وتفعيل وتنفيذ الأمر بمنح خصم 20 في المائة للمقترضين لبناء مساكنهم الخاصة، وعشرة في المائة إضافية لمن يسدد كامل القرض.
كما أنجز الراحل إعادة 660 مليون ريال بفعل تقنية الحاسب الآلي (برمجة الكومبيوتر) لمن حصل على أكثر من قرض سكني واحد، فلم يكن ممكنا إطلاقا اكتشاف ذلك إلا بوجود هذه التقنية التي أدخلها لأول مرة، ويستخدم الآن للرقابة على عدم حصول أي مستفيد على أكثر من قرض، كما سجل للراحل أنه حول 340 مليون ريال إيرادات إلى وزارة المالية نتيجة تشغيل أرصدة صندوق التنمية العقارية، بإقراض البنوك المسعودة حديثا في عام 1979.
الراحل حقق أيضا أول عملية دمج لما يزيد على 40 شركة كهرباء، وتوحيد الجهود في شركة واحدة، وتنظيم قطاع الكهرباء بإنشاء أول مركز تدريب، وابتكار العقد الموحد، وتسديد فاتورة الكهرباء بالبنوك، وتحويل رواتب العاملين إلى البنوك لأول مرة في العالم العربي، وابتكار وإنشاء أول صندوق تعاوني لموظف الكهرباء المستمر حتى الآن، بالإضافة إلى صرف 500 مليون ريال من الصندوق والمدفوع ذاتيا من العاملين في الكهرباء بالمنطقة الوسطى، قروضا وإعانات وهدايا وضيافات، ومباني خاصة لنادي الكهرباء، إضافة إلى إصدار مجلة «المدير» التي تعد أول مجلة عربية متخصصة في تعليم المديرين، وتفعيل وتنشيط وإحياء أول ترخيص تعديني للقطاع الخاص، وتوقيع وبدء إنتاجه بمعادن الذهب والفضة والنحاس والزنك العام الماضي.
وعد الراحل أن سوء العمالة العربية القائم حاليا من سوء قيادتها الإدارية لا محالة، وهذا ما ذهب إليه نابليون عندما قال: «لا يوجد جنود سيئون، بل يوجد قادة سيئون»، و«سوية القوى العاملة العربية من سوية قيادتها، وهذا خيار أو افتراض منطقي نقر بنجاعته كمدخل فكري استراتيجي نحو إعداد القيادات الإدارية العربية»، مطالبا ببناء قيادات إدارية فكرية إبداعية وابتكارية في العالم العربي، لديها طاقم «تكنوقراطي» من العاملين الإداريين ممن يترجمون الأفكار والابتكارات والإبداعات إلى مرحلة تنفيذية تجري ممارستها وقياس مدى نجاحها والحصول على التغذية المرتدة، أو ترجيع الأثر لما أفرزته القيادة من تفاعلها مع الإدارة من خلال التنفيذ، بما يعكس تجربة عربية إدارية قابلة للنقل وإعادة التجربة في بيئة ونشاط آخر في العالم العربي.
وفي رأيه، أن مجتمعنا الإداري العربي على مدى نصف قرن أفرز كما هائلا من الإداريين ممن تمكنوا بطريقة أو بأخرى من التمكين الذاتي أو التمكين المؤسسي أو حتى الطوعي في وصول هذه الفئة إلى مرحلة المديرين. إننا نريد الآن تحويل هذه الكمية الهائلة والكمية الكثيرة، والكمية التي ازدادت عن الحاجة من مديرين إلى قادة.
وقدم الراحل أول تدوين لما كانت عليه الإدارة في الوطن العربي خلال القرن الـ20، وهي تركز على الحالة الإدارية في السعودية قبل الطفرة النفطية وما بعدها، من خلال تجربة سنوات تصل إلى ما يزيد على 50 عاما قضاها صاحب السيرة مع العمل الإداري كاتبا، وطابعا، ومحاسبا، وسكرتيرا، ومشرفا على شعبة، ومدير قسم، ومدير دائرة، ورئيس إدارة، ومديرا عاما، وعضوا في مجلس المديرين لما يزيد على 20 شركة، إلى جانب النتاجات الأكاديمية والبحثية التي صدرت في 20 كتابا ومئات البحوث الإدارية، وآلاف المقالات في مجلة «المدير» التي أصدرها عام 2001 وتعد الأولى من نوعها في العالم العربي.
وفي كتابه المثير: «النفط الطفرة الثروة» يعرج المنيف على مرحلة قام بها الأجداد وتمكنوا خلالها من استيعاب هذه الحضارات التي هاجروا إليها، مع الاحتفاظ بموروثاتهم، واستطاعوا أن يثبتوا أقدامهم على أرض تلك الحضارات، ويصبحوا رقما فيها، وصنعوا تجارة انتشرت وتوسعت حتى أصبحوا كالبنوك الاستثمارية المتحركة بمفهوم اليوم. وأعطى في هذا الصدد نموذجا للمهاجرين النجديين، بعد أن مرت بأرضهم حالة من الجوع والفاقة ونزح نفر كبير منهم من خماسية: الجوع، والجدب، والجرب، والجراد، والجدري، طمعا في كسب الرزق، والبحث عن حياة أفضل في الشام ومصر والعراق، مقدما «العقيلات» أنموذجا لهذه الهجرة، حيث كانت عائلة المؤلف ضمن من هاجر من قريتهم «قصيباء» من محافظة عيون الجوا في منطقة القصيم، تلك المنطقة التي شكلت الرقم الأكبر في هذه الهجرات. وكان آخر أفراد عائلة المنيف جد المؤلف إبراهيم بن علي المنيف، الذي هاجر مع أحد قوافل العقيلات عام 1880، وإقامته في بلاد الشام، وأصبح ثريا وتعلم القراءة والكتابة، وكان له تعامل مع البنوك في سوريا ولبنان، كما أن له تجارة واسعة بالإبل والأرزاق.
ولولا سفر جد الراحل إلى بلاد الشام لما عاش من عائلة المنيف أحد بسبب الحمى التي انتشرت في بلدته، حيث وصل أبناؤه وأحفاده الآن إلى ما يقارب 162 فردا من تاريخ وفاته عام 1936م، أي بعد مرور 70 عاما على رحيله، ومنهم عم المؤلف الروائي الشهير الراحل الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم المنيف، صاحب «مدن الملح».
ويعتقد المنيف، أن البطالة في السعودية ستستمر سنوات عدة، إذا استمر ملايين العمال الوافدين في العمل والامتناع عن تسليم أماكنهم لسعوديين، لافتا - في هذا الصدد - إلى أن ألمانيا دفعت المليارات للعمال الأجانب لمغادرة ألمانيا وإتاحة فرصة لإحلال الألمان مكانهم، مشددا على أن بلاده تعيش - حاليا - طفرة ثانية مذهلة لا مجال فيها للاقتراب من الإنتاجية التي تعد أساس التنافسية في العالم كله.
7:57 دقيقة
السعودية تودع إبراهيم المنيف.. القيادي الحكومي البارز في الإدارة التنفيذية
https://aawsat.com/home/article/78066
السعودية تودع إبراهيم المنيف.. القيادي الحكومي البارز في الإدارة التنفيذية
رحل بعد أن أعاد مليار ريال لخزينة الدولة.. وأنجز أول عملية دمج لـ40 شركة للكهرباء
- الرياض: بدر الخريف
- الرياض: بدر الخريف
السعودية تودع إبراهيم المنيف.. القيادي الحكومي البارز في الإدارة التنفيذية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة