جبهة مشتركة أميركية ـ إيرانية ـ إسرائيلية ضد الجهاديين ليست طرحا واقعيا

فكرة نشوء جبهة مشتركة أميركية - إيرانية - إسرائيلية، مهما كان طابعها، ضد الجماعات السنية الجهادية، لا تمثل طرحا واقعيا. هذه النظريات لا تعكس فهما دقيقا لمقاربة إسرائيل للتهديدات المتعدّدة التي تواجهها على حدودها الشمالية والجنوبية.
طوال السنوات الثلاث الماضية، ومحيط إسرائيل الأمني يشهد تغيّرات سريعة. وبينما تتأقلم إسرائيل دوما لمواجهة التهديدات الناشئة إلى شمالها وجنوبها، فإن مقاربتها تعتمد على سلّم أولويات للتهديدات.

أولا، ما زالت إسرائيل تعتبر إيران، مع اندفاعها نحو تصنيع سلاح نووي ومع شبكة أدواتها الإقليمية، مصدر التهديد الاستراتيجي الأول. عدا عن برنامج إيران النووي، الأولوية القصوى لإسرائيل هي لمنع وقوع قدرة سلاح الضربة الأولى، التي تهدد المراكز السكانية والإنشاءات الاستراتيجية الإسرائيلية، في أيدي أدوات إيران الإقليمية، خصوصا حزب الله. وفي هذا الإطار تحديدا، اتخذت إسرائيل إجراءاتها الأكثر مرئية في السنوات القليلة الماضية، وضربت مستودعات وقوافل السلاح الاستراتيجي في طريقها إلى حزب الله أو إلى زبائن إيران في غزة. الضربات المتعدّدة داخل سوريا ضد هذا النوع من الأهداف، تحديدا، في حد ذاتها تشير إلى ما تعتبره إسرائيل التهديد ذا الأولوية القصوى الذي يتطلّب عملا عسكريا.

وفي حين تنظر إسرائيل إلى الجماعات الجهادية في جنوب سوريا وفي سيناء وغزة على أنها تشكل خطرا، فتصنيفها لهذه المشكلة مغاير. وفي الواقع، طبيعة التهديد الذي تشكله الجماعات السنية المتطرفة في سوريا وفي سيناء وغزة، هي بحد ذاتها مختلفة عن بعضها البعض. مثلا، جبهة غزة، وسيناء جزئيا، على صلة مباشرة بإيران وبالشبكة الإيرانية لتهريب الصواريخ البعيدة المدى، كما ظهر جليا في عملية اعتراض السفينة «كلوس - سي» أخيرا. وبالتالي، بالنسبة لإيران، تمثل غزة وسيناء الخاصرة الجنوبية للجبهة ذاتها التي شكلتها إيران مع حزب الله في الشمال.

بالإضافة إلى ذلك، لدى إيران كل المصلحة في زيادة التوتّر بين إسرائيل ومصر، وحتى في توريط الأخيرة في حرب مع إسرائيل. هدف طهران، إذن، هو تسخين الوضع في سيناء، من خلال أي من المجموعات الفاعلة هناك. ولذا، فأولوية إسرائيل تكمن في إبقاء إيران بعيدا عن سيناء وغزة، وليس في التعاون معها. بالأحرى، فإن تعاون إسرائيل في مسرح العمليات ذلك هو مع مصر، التي تتشارك معها في المصالح. على سبيل المثال، اعتراض السفينة «كلوس - سي» الآتية من إيران شكل مصلحة مصرية بقدر ما كان مصلحة إسرائيلية.

أما بالنسبة للمجموعات الجهادية في جنوب سوريا، ففي حين تراقبها إسرائيل عن كثب، فإن الخطر الذي تشكله ما زال ينظر إليه كسيناريو مستقبلي في المدى الأبعد، وعلى أنه من طبيعة مختلفة للتهديد الآتي من المحور الإيراني. بأي حال، لا تنظر إسرائيل للتعاون مع إيران أو نظام الأسد في احتواء هذه المجموعات. الأصح هو أن، من الاحتمالات المتوافرة، تبدو إسرائيل أنها تميل إلى أن يسيطر على المنطقة الثوار السوريون المعتدلون المقربون من الأردن، وهي تلتقي في هذا الميل مع عمان. وهذا خصوصا لأن حزب الله يحاول الآن أن يكرس وجودا عملانيا في الجولان. من هنا، ضربت إسرائيل الشهر الماضي مواقع قوات النظام السوري في محيط القنيطرة، لردع الأسد عن إفساح المجال لحزب الله للعمل وشن الهجمات من تلك المنطقة.

عموما، إسرائيل، بعكس إدارة أوباما، ما زالت ترى أن الخط الفاصل في المنطقة هو بين المعسكر الإيراني من جهة وحلفاء واشنطن الإقليميين من جهة أخرى. والمحور الأخير يشمل إسرائيل ودول الاعتدال العربي. وبالتالي، فإن أوثق علاقات إسرائيل هي مع الأردن ومصر. لقد حاولت الحكومة الإسرائيلية أن تقنع دول الاعتدال العربي أن تقاطع المصالح معها ينبغي أن يقود إلى تعاون أوثق في مواجهة التهديدات المشتركة. إنما على الرغم من هذا التقاطع، فمن غير المرجح في هذه المرحلة أن تسعى الدول العربية عدا الأردن ومصر، لإنشاء جبهة مشتركة علنية. مع الحفاظ على إمكانية التشاور بعيدا عن الأضواء.

أخيرا، مع أن إسرائيل تثمن التعاون مع هذه الدول العربية، فإنها لا تعتمد عليها لحماية حدودها. عندما تتعلق المسألة بأمنها، تأخذ إسرائيل المبادرة بيدها، وفقا لتصورها لأولوية التهديدات التي تواجهها.. وما زالت إيران على رأس هذه الأولويات.

هكذا، تنظر إسرائيل إلى إيران ليس كشريك محتمل، إنما كدولة رجعية هدفها تقويض النظام الراهن في شرق المتوسط.

* زميل باحث لبناني - أميركي في مؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيات - واشنطن

تاريخ النشر - Publish Date
Issue Number
12920