سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

كما في قول النجيب

سألت مجلة «باريس ريفيو» نجيب محفوظ وهو في الثمانين من عمره: «هل تعتقد أن الشعب المصري مستعد حقا لتقبل الديمقراطية الكاملة؟ هل يفهم حقا كيف تعمل؟». أجاب: «معظم الناس في مصر اليوم همهم الحصول على خبز يأكلونه. فقط بعض المثقفين يعرفون كيف تعمل الديمقراطية. ليس من رب عائلة يملك الوقت حتى للبحث في الموضوع».
كان السفير اللبناني نبيه نصير يعبر عن ذلك بمزيج من السخرية والمرارة بالقول إن «أقوى حزب في العالم هو حزب الرغيف». ولكن ماذا عن النظام الديمقراطي في الهند، التي كانت ذات مرحلة مجمع الفقر العالمي؟ وماذا عن الصين وروسيا وأوروبا الشرقية التي كانت تعاني من الفقر أيام الشيوعية وتحولت إلى كفاية نسبية مع الديمقراطية النسبية؟
فلنعد إلى مصر. قال محفوظ في المقابلة نفسها إنه كان يخشى أن يتحدث في السياسة أمام طفلتيه في المنزل خوفا من أن ترددا الكلام في المدرسة أمام رفيقاتهما. ذلك في المرحلة الناصرية. وفي مرحلة السادات صار من الممكن التحدث في المنزل، لكن ليس في المقاهي. وفي أيام مبارك، صار الكلام علنيا في الصحف.
هل شكلت الحرية وضعا ديمقراطيا؟ لا. ظل الحزب الواحد واحدا، وظل المعارضون يسقطون أو يسجنون، وظل المرشح الوحيد للرئاسة هو المرشح الأوحد. الواقع أن الديمقراطية مارست نفسها في إطاحة مبارك، ثم في عزل خلفه محمد مرسي. وأظهر العربي في مصر وليبيا واليمن أنه لم يكن يريد الديمقراطية، بل مشى خلف رجال وأحزاب الغائبين.
هل الحالة الاقتصادية المزرية هي السبب؟ قامت الثورة في سوريا بسبب خليط من الحاجات والدوافع: الخبز والحرية. تخجل الناس من رفع شعار الخبز فترفع شعار الحرية. لكن الحرية الكبرى هي الكفاية. هي عدم الشعور بذل الحاجة في الليل والنهار طوال العمر. فعندما ترى أن دولتك تعمل مثلك وتسعى من أجلك، تتساوى معك في التعب والشقاء، لا تعود تطالبها بشيء. لكن الحرية التي أعطاها الرئيس مبارك وتحدث عنها نجيب محفوظ ضاعت بين مشهدين فظيعين: ثلث الناس تحت خط الفقر، وجمال مبارك فوق كل الخطوط الحمر.
يقول الدكتور أحمد أبو الغيط في لقاءاته مع «العربية» إن الرئيس مبارك طالما قال له إنه لا يسعى إلى توريث جمال، وإن مصر ليست سوريا. لكن لماذا اكتفى مبارك بإطلاع وزرائه على نواياه؟ ولماذا لم يصدر بيانا من ثلاثة أسطر يعلن فيه أن: لا هو سيجدد بعد ثلاثين عاما، ولا جمال سوف يرث؟ وكأنما ليس هناك من مستحق آخر بين 90 مليون مصري.
دعونا نعود إلى عبقرية محفوظ الذي قال إن مبارك كان شخصا ديمقراطيا، أما دستوره فنقيض له. هل مصر تضطرب منذ ثلاث سنوات لأنها في حاجة إلى ديمقراطية أم إلى خبز؟ أيهما أولا؟ من يمكن أن يأتي بالآخر؟