جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

عجائزنا.. وعجائزهم

أنا لست من محبذي استخدام كلمة عجوز وجمعها عجائز، لأن الكلمة منبثقة من صفة العجز او عدم التمكن من فعل الشيء، ولهذا أتحاشى استخدامها، ولو أنني اضطررت لذلك في العنوان، والسبب يأتيكم لاحقا. باعتقادي ان السن هو هيبة وخبرة، أما العمر فهو رقم، وقوة العقل تضاهي أي تقدم بالسن، فمثلما تدرب عقلك تتصرف، فكم من مرة نلتقي بأناس في العشرينات من العمر ولكن لا نجد فيهم نفحة الحياة والحيوية والنشاط، لا يفعلون ولا يتفاعلون؟ وكم مرة نلتقي بأناس أكبر سنا ونرى فيهم حب الحياة والحركة والمعرفة والشقاوة؟
في إحدى رحلاتي الشتوية الى منتجع في جبال الألب في سويسرا، التقيت بـ"شاب" وسيم في أواخر "السبعينات" من العمر، لأول وهلة ظننت أنه في أوائل الخمسينات، شعر أبيض ناعم يتطاير مع نسمات الهواء، جسم رشيق، وشاح أحمر يلف عنقه من البرد وثياب خاصة بالتزلج تليق بشاب في العشرينات، عرفت بعدها أنه صحافي متخصص بالكتابة عن سياحة الذين تفوق أعمارهم الخمسين سنة، نعم توجد مجلات متخصصة بسياحة الناضجين سنا، فسألته: ولكن كيف ستكتب موضوعا عن تلك السياحة المتخصصة وأنت في منتجع تزلج؟ ضحك وأجاب: هل أنت متعجبة برؤية رجل مسن يلعب رياضة التزلج وسيكتب موضوعا لعجائزه عن تلك الرياضة؟ أجبت بضحكة خجولة: عفوا لم أقصد هذا، ولكنك أيقظت بنفسي حسرة على عجائز منطقتنا.
وبالفعل رحت أفكر بالمسنين في منطقتنا العربية، الذين يتشربون عقلية الاستسلام للزمن وفي سن مبكرة جدا، يمكثون في المنزل ويقبلون واقعا سوداويا ومأساويا، ويصدقون بأنهم عاجزون وعجزة، لدرجة أن صحتهم تتدهور ووجوههم تترهل، وفي المقابل تسافر الى أماكن لا يخطر اليك بأنها قد تكون مناسبة لمن هم أكبر سنا منا، لتتفاجأ بعدد هائل من المتقدمين في العمر من أوروبا وأميركا ولكنهم يبدون وكأنهم في ريعان الشباب، وهذا واضح من تصرفاتهم وضحكاتهم، وهنا لا يمكن أن أنسى رحلتي الى عالم ديزني في فلوريدا. أنا لا أبالغ إذا قلت لكم إن نصف الزوار كانوا في مرحلة الخريف من العمر (وهذا تعبير لا يستعمل الا في منطقتنا العربية) وكانوا أوائل المنتظرين في الطوابير لاختبار لعبة تحتم عليك بأن تتمتع بصحة جيدة وقلب صلب يتحمل السرعة والخوف. هذا المشهد أيضا جعلني أفكر وأتحسر وأتساءل: لماذا عجائزهم غير عجائزنا؟
قد يكون السبب وراء ذلك هو العقلية والثقافة والتربية. ففي بلداننا العربية هناك فكرة خاطئة تحدد الألوان التي تناسب كل عمر لدرجة أن هناك أمثالا شعبية تؤكد الفكرة، كما أن هناك مفهوما بأن السياحة هي للشباب وليست لــ"للشياب"، في حين أن الوضع في الغرب يختلف، فالحياة تبدأ فعليا بعد سن التقاعد، والسفر يبدأ والرحلات تكثر ليعيش المرء العمر عمرين.