عادل النقطي
إعلامي تونسي، مراسل صحيفة الشرق الأوسط في تونس.
TT

من يوقظ التونسيين من غفوتهم؟

لا ينام العديد من التونسيين جيدا هذه الأيام - وأنا واحد منهم - بسبب "تهاطل" الأرقام المفزعة حول الوضع الاقتصادي الراهن للبلاد. ورغم اجتهاد المسؤولين الحكوميين في تجنب كل ما من شأنه أن يفهم على أنه تهويل وتخويف لـ"التوانسة"، فإن صورة أوضاع اقتصاد تونس غالبا ما جاءت مرعبة.
اعتماد تونس على الاقتراض تجاوز حدود المعقول، والأخطر من ذلك أن جزءا غير هين من هذه الأموال المقترضة لا يذهب اليوم لتمويل الاستثمار ومشاريع التنمية الجديدة في جهات تونس الداخلية، التي ظلت محرومة لعقود طويلة من الزمن، ولتوفير فرص الشغل لنحو مليون عاطل عن العمل ربعهم متحصل على شهادة عليا، وهي الأسباب التي انتفض من أجلها التونسيون قبل أكثر من ثلاث سنوات وأسقطوا النظام السابق، بل لتغطية الاستهلاك ونفقات الدولة - التي ارتفعت بشكل لافت في السنوات الأخيرة- ولدفع رواتب الموظفين الذين لا يكاد يمضي يوم واحد دون أن تخرج فئة منهم للمطالبة بالزيادة في أجورهم أو تحسين وضعياتهم أو الحصول على امتيازات جديدة لصالحهم.
صحيح أن تونس وعلى المستوى السياسي تجنبت الأسوأ بعد حدوث حالتي اغتيال لقياديين سياسيين، وذلك بفضل الوفاق والحوار والاتفاق على تشكيل حكومة كفاءات مستقلة ستتولى الإعداد للانتخابات المقبلة في كنف الحياد وتوفير كل شروط النزاهة والشفافية لإجرائها في أحسن الظروف، وأنها تفعل ما في وسعها للتصدي لظاهرة الإرهاب رغم تواضع الإمكانيات، ولكن شبح الأزمة الاقتصادية هو أكثر ما أصبح يخيف التونسيين اليوم ويهز ثقتهم في المستقبل.
الاقتراض بشكل يفوق قدرات تونس - ولئن كان مفروضا اليوم على الحكومة في غياب خيارات أخرى حتى تفي البلاد بالتزاماتها الداخلية والخارجية - يبقى مجرد مسكنات ستفاقم علل تونس الاقتصادية أكثر فأكثر بمجرد انتهاء مفعولها.
لقد آن الأوان ليستيقظ التونسيون من "غفوتهم" وليكبحوا جماح مطالبهم وليعودوا سريعا، وقبل فوات الأوان، للعمل والبذل والجهد، ولاحترام القانون وعدم تعطيل آليات الإنتاج مهما كانت المبررات، وللتسلح بنفس الروح التي قادتهم قبل أكثر من ثلاث سنوات لإسقاط النظام السابق حتى لا يسقط كل ما أنجزوه في الماء.