كاميليا انتخابي فرد
كاتية إيرانيّة
TT

النوروز.. بابتسامة ظريف ودموع الدراويش!

عشية السنة الإيرانية الجديدة أو أعياد النوروز (ليلة 20 مارس/ آذار)، عاد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى طهران بعد اجتماع مع مجموعة «5+1» في العاصمة النمساوية فيينا استغرق يومين. عاد ظريف سعيدا، واصفا الاجتماع بأنه كان مثمرا وإيجابيا للغاية. وبابتسامة عريضة ارتسمت على وجهه صرح ظريف للصحافيين في طهران، قائلا «لقد كانت بيننا فجوة عميقة من سوء الفهم. أما اليوم، فقد اختفت تلك الفجوة تماما». وأكد ظريف أن إيران لم تصل بعد إلى مرحلة الإعداد للتوصل إلى اتفاق نهائي، لكنه وصف الاجتماع الأخير بأنه كان «ناجحا».
لا شك أن ابتسامة ظريف تبث السعادة وترسم المزيد من الابتسامات على وجوه أفراد الشعب الإيراني الذين بدأوا يشعرون ويرون - وإنْ كان ببطء – علامات التحسن تدب في أوصال اقتصادهم المتداعي بسبب العقوبات الدولية الشديدة وسوء الإدارة. وعليه، يمكننا أن نفترض أن الإيرانيين السعداء سيستقبلون السنة الإيرانية الجديدة وفصل الربيع وهم يحدوهم أمل كبير في حياة أفضل في العام المقبل في ظل حكومة الرئيس المنتخب الجديد، حسن روحاني، وفريقه المعاون. الإيرانيون سعداء بأداء وزارة الخارجية، غير أنه عندما يتعلق الأمر بالقضاء، تختفي الابتسامات وتحل محلها ملامح الدهشة.
القضاء في إيران يعمل بشكل منفرد، حيث ينبغي أن يجري اختيار رئيسه مباشرة بواسطة المرشد الأعلى، آية الله خامنئي، وهذه الحالة من الصعب جدا أن يستطيع الرئيس المنتخب من قبل الشعب أن يتدخل، كما لا يسمح المرشد الأعلى لأي جهة غيره - مهما كانت - بمراقبة مؤسسة القضاء.
وفي حين يعيش جزء من الشعب الإيراني أجواء السعادة ويختبرون مزاج الاحتفال بفضل السنة الإيرانية الجديدة، يبدو جزء آخر من العائلات الإيرانية غير سعيد، حيث لم يُسمح للسجناء السياسيين بقضاء بعض الوقت خارج السجون مع عائلاتهم خلال الأعياد الوطنية، فضلا عن المزيد من السجناء انضموا إليهم في الأيام الأخيرة.
يُعتبر الدراويش هم أكثر الفئات جذبا لاهتمام المؤسسة القضائية الإيرانية في الآونة الأخيرة، حيث يتعرضون لشتى أشكال المضايقات والقهر، لا سيما في الأشهر القليلة الماضية التي جرى خلالها القبض على عدد منهم.
ربما يبدو النهج السياسي السلمي الذي يتبناه الدراويش - والقائم على تعاليم الإسلام وفروع المذهب الشيعي المختلفة، بالإضافة إلى مدارس التصوف - تهديدا للمصالح الوطنية في عين مؤسسة القضاء الإيرانية. وربما تبدو خطيئة الدراويش، التي استوجبت تحرك مؤسسة القضاء ضدهم، في قدرتهم على جذب انتباه قطاعات من الشعب الإيراني إلى شكل الممارسة السياسية التي ينتهجونها، والتي أقلقت النظام الحاكم بشكل كبير. والدراويش هم قطاع من الإيرانيين، الذين تركوا بلادهم في السنوات الأخيرة بعد الانتخابات الرئاسية في عام 2009، التي شهدت جدلا كبيرا، وما زالوا مشردين ويعيشون في ظروف معيشية صعبة للغاية في البلدان المجاورة. بعضهم يعيش في الإمارات العربية المتحدة، والبعض في تركيا أو في مدينة أربيل العراقية، حيث كانوا ينتظرون على مدى سنوات الحصول على موافقة الأمم المتحدة باعتبارهم لاجئين سياسيين. والآن وبعد خمس سنوات، يبدو الدراويش على استعداد للعودة إلى إيران، إذا ما تلقوا وعودا بضمان سلامتهم. وغالبية هؤلاء الدراويش طلاب وصحافيون وناشطون سياسيون وحقوقيون.
عندما انتخب حسن روحاني رئيسا لإيران في الصيف الماضي، صرح بأن جميع الأشخاص، الذين لم يرتكبوا جرائم، يمكنهم العودة إلى إيران من دون أي مخاوف. لكن القضاء أضاف إلى تصريحات الرئيس الجملة التالية «الأشخاص الذين شاركوا في حياكة المكائد أو الذين ارتبطوا بمن يخططون، سيعاقبون» وكم من الأفضل لهم ألا يعودوا!
وتشير كلمة مكائد إلى أولئك الذين شاركوا ونظموا الاحتجاجات ضد نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2009، والذين يعتبرون من أنصار مير حسين موسوي ومهدي كروبي. ويأمل هؤلاء الدراويش أنه عندما تتوصل إيران لاتفاق نهائي مع القوى الغربية بشأن برنامجها النووي – والذي يأمل الجميع في أن يجري توقيعه هذا الصيف – فإن ذلك سيعطي الفرصة للحكومة الإيرانية لتخصيص المزيد من الوقت لقضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير.
ومن المقرر أن تنعقد جولة المحادثات التالية بين إيران ومجموعة «5+1» (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا) في السابع من أبريل (نيسان) المقبل في العاصمة النمساوية فيينا. وما يجب على الإيرانيين أن يفعلوه خلال احتفالات أعياد النوروز هذا العام أن يرفعوا أكف الدعاء أن يظل وزير الخارجية ظريف محتفظا بابتسامته خلال الأشهر القليلة المقبلة حتى يجري التوصل إلى اتفاق نووي دائم مع القوى الغربية.
يعتبر التوصل إلى اتفاق نووي نهائي أمرا ضروريا وذا أهمية كبيرة على صعيد المصلحة الوطنية، ولست أشك في أن الكثيرين من الشعب الإيراني سوف يدعون كثيرا عشية السنة الإيرانية الجديدة أن يمنحهم الله السلام والاستقرار. لكنني آمل أن يدعو الدراويش، القابعون في غياهب السجون، بالخير لإيران، حيث يزخر التراث الفارسي بالكثير من الأحاديث عن أهمية دعاء الدراويش على وجه الخصوص. ومع امتلاء قلوب الدراويش بالحزن والأسى، بالإضافة إلى وجودهم بالقرب من السجناء الآخرين، فإن الجميع يرجون الله أن يمنح الإيرانيين ما يستحقون من السلام والرخاء.