TT

الأكراد بين الاتحاد وتقرير المصير

لا شك في أن هناك من يسعى لقيام الدولة الكردية المستقلة في شمال العراق، وهذا المسعى بإمكانه في رأيي أن يتحقق دستوريا وليس عسكريا، من خلال طرح استفتاء تقرير المصير الذي تردد أكثر من مرة خلال العام الحالي، بل مع كل أزمة نسمع هذا المصطلح.
ومن يبحث عن حلول للأزمات العراقية المتتالية ومنها الأزمة الأخيرة بين المركز والإقليم، عليه أن يكون واقعيا ويبتعد عن الشعارات البراقة التي تحفل بها ذاكرتنا، القريبة منها والبعيدة، لأن الزمن الحالي ليس زمن الشعارات والهتافات بقدر ما إنه يتطلب قراءة واقعية تستند إلى ما هو موجود فعلا وليس للنظريات.
ما هو موجود فعلا أن هنالك دولة كردية ورغبة كردية في إعلان هذه الدولة، لكن بطريقة تبدو كأنها (ثورية). وأكاد أجزم بأن لا أحد في العراق سيعارض ولادة هذه الدولة، وهنالك من سيباركها ويعترف بها قبل نهاية خطاب الاستقلال وتقرير المصير.
والدولة الكردية حق طبيعي للشعب الكردي الذي نادى من أجلها عقودا طويلة، وخاصة أن عالمنا شهد ولادة جنوب السودان قبل عام تقريبا، ومن ثم يمكننا القول بأن الرأي العام العراقي لن يصدم بالانفصال وتقرير المصير للشعب الكردي، لأن العراقيين يبدو أنهم يعيشون الآن واقع الدولة الكردية على الأرض.
ولكن السؤال هو: ما حدود هذه الدولة؟ علينا أن نقول هنا بأن حدود التاسع من أبريل (نيسان) 2003 يمكن أن تكون قاعدة ترتكز عليها الدولة الكردية الجديدة، وتبقى الأراضي الخاضعة للمادة 140 من الدستور العراقي محل تفاوض وتحكيم دولي بإشراف الأمم المتحدة، لأن المادة 140 من الدستور العراقي لا يمكن لها أن تحل هذه المشكلة، لأنها ستصبح مشكلة بين دولتين: الكردية والعراقية، وهذا ما يتطلب تحكيما دوليا بشأنها، وهي قضية ليست بالجديدة على الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية بهذا الشأن، حتى وإن استغرق الأمر سنوات عدة، هي بالتأكيد لن تكون أطول من الفترة التي قضتها هذه المادة الدستورية على رفوف السياسيين العراقيين بعربهم وأكرادهم الذين يتخوفون من تطبيقها أو حتى مجرد التفكير فيها، لأن الجميع لا يضمن نتائجها ستكون لصالح من.
أما الحالة الموجودة حاليا التي تتمثل بوجود ما يبدو دولة كردية فعلية على أرض الواقع، ونظريا هي إقليم له حصة ثابتة بنسبة معينة من الموارد الاتحادية، فأمر فيه إجحاف للمركز والإقليم معا، للمركز لكون هذه الحصة يشعر البعض بأنها أكثر من المتوقع، خاصة إن سكان إقليم كردستان يتجاوزون الأربعة ملايين بقليل بموجب إحصاءات للدولة الاتحادية، وهو ما يعني أن نسبتهم لا تتجاوز 12.5 في المائة من سكان العراق البالغ 32 مليون نسمة، ومن جانب آخر فإن في كردستان ثروات نفطية تبدو مشجعة جدا لدرجة تهافت الشركات العالمية لإبرام عقود مع حكومة الإقليم، وهذا ما يعني أن وارداته قد تكون أكثر من 17 في المائة المخصصة له ضمن الموازنة الاتحادية وهذا ما يمثل إجحافا للإقليم.
لهذا، فإن خيار الانفصال وقيام الدولة الكردية المستقلة على حدود 2003 من شأنه أن يعزز من فرص السلام أولا، والتعاون ثانيا، التعاون مع العراق كدولة جارة له خاصة أن صادرات العراق النفطية يمر قسم منها إلى تركيا عبر الأراضي الكردية، وهو ما يتطلب إيجاد معاهدة تعاون بهذا الشأن تكون عاملا مساعدا في استقرار البلدين، خاصة أن الدولة الكردية ستكون دولة ديمقراطية بموجب ما هو موجود حاليا من انتخابات من جهة ومن جهة ثانية - وهي الأهم - فإن هنالك حراكا سياسيا مكثفا في إقليم كردستان من خلال أكثر من خمسة أحزاب موجودة في برلمان الإقليم وهو ما يعني وجود نواة الديمقراطية وركائزها الجوهرية.
هذا الخيار – أي خيار الانفصال - فيه إيجابيات كثيرة على كل من الأكراد والعرب، فالأكراد ستكون لهم دولة مستقلة وسياسة خارجية بعيدة عن وصايا بغداد ومطالبها المستمرة بالإشراف على المطارات والمنافذ الحدودية لأن الدستور العراقي لعام 2005 يحصر هذا بالحكومة الاتحادية وهو الأمر الذي يرفضه المسؤولون في الإقليم. الجانب الآخر المهم هو أن الإقليم يحتفظ بعلاقات قوية مع العالم الخارجي، خاصة تركيا والخليج العربي، وهو ما يساعده على نيل الاعتراف بالدولة لحظة ولادتها، وبغداد هي أيضا ستثبت أنها مع حق الشعوب في تقرير مصيرها وهي نقطة تحسب لها وليس عليها. وربما يقول البعض بأنني أقصد إنهاء جزء مهم من المشاكل، لكن في جانب منه فإن انفصال كردستان بدولة مستقلة سيوفر للميزانية الاتحادية زيادة بنسبة 17 في المائة، حيث إن الحكومة الاتحادية حينها غير ملزمة دستوريا بالصرف على دولة جارة لها تتمتع بموارد اقتصادية وثروة نفطية، فهل يسعى الأكراد لذلك حقا؟
* كاتب عراقي