الرئيس المصري: الدعم السعودي والخليجي لم يرتبط بأي شروط أو مطالب

عدلي منصور يصف موقف الرياض في الحلقة الثانية من حوار {الشرق الأوسط} بأنه وقفة رجال

الرئيس المصري عدلي منصور والدكتور عادل الطريفي رئيس تحرير {الشرق الأوسط}
الرئيس المصري عدلي منصور والدكتور عادل الطريفي رئيس تحرير {الشرق الأوسط}
TT

الرئيس المصري: الدعم السعودي والخليجي لم يرتبط بأي شروط أو مطالب

الرئيس المصري عدلي منصور والدكتور عادل الطريفي رئيس تحرير {الشرق الأوسط}
الرئيس المصري عدلي منصور والدكتور عادل الطريفي رئيس تحرير {الشرق الأوسط}

* نميز في تقييمنا للمواقف التركية ما بين الموقف الذي يتبناه رئيس الوزراء التركي الحالي وموقف الشعب التركي.. وفيما يتعلق بقطر فإننا نتابع مواقفها عقب ما جرى من تداول للسلطة فيها.. والأمل ما زال يحدونا في أن يراجع كل طرف أخطأ في تقديراته موقفه
استخدم الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور في وصف موقف السعودية وقيادتها بعد 30 يونيو (حزيران) مع مصر، التعبير الشعبي قائلا إنها كانت «وقفة الرجال»، وعشية زيارته الأولى الخارجية اليوم إلى السعودية استشهد الرئيس عدلي منصور بمقولة الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية، التي قال فيها: «لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب»، معتبرا أنها مقولة لخصت بوضوح وإيجاز القراءة الاستراتيجية للمنطقة العربية في النصف الأول من القرن العشرين، مثلما تلخصها أيضا في عصرنا الحالي.
وقال الرئيس المصري في الحلقة الثانية من الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» معه في قصر الاتحادية بالقاهرة إن زيارته هي في المقام الأول شكر وتقدير، وهي واجبة على ما قدمته المملكة، وثانيا سوف يتناول الحديث مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز تفعيل الشركة والتعاون الاقتصادي بين البلدين وتنشيط عمل اللجان العليا المشتركة.
وشدد على أن الدعم السعودي والخليجي الذي تلقته مصر لم يرتبط بأي اشتراطات أو مطالب.
وتحدث الرئيس عدلي منصور عن الرؤية المصرية من الأزمة السورية قائلا إن السؤال الذي يفرض نفسه عند تقييم أي خطوات مقترحة للتعامل مع موقف ما هو: ماذا بعد؟ ينبغي أن نكون حذرين بشكل كبير من أن نقدم على خطوة ما لأسباب آنية.. لنجد أنفسنا لاحقا في موقف قد يكون أصعب من الموقف الحالي. كما تحدث عن العلاقات المصرية - الإيرانية بعد تولي الرئيس الإيراني حسن روحاني المسؤولية، مشيرا إلى أن مصر مستعدة للدخول في حوار مع إيران ومع غيرها، إذا ما احترمت الإرادة الشعبية المصرية.. وخلصت النوايا. وحول التوتر المصري مع قطر وتركيا قال ما زال الأمل يحدونا في أن يراجع كل طرف أخطأ في تقديرات موقفه، وأن يقف مع المصريين وليس مع مصالحه الضيقة مع فصيل جرى نبذه مجتمعيا. وتطرق الحوار أيضا إلى ذكريات الرئيس عدلي منصور في السعودية التي أمضى بها 6 سنوات.
وإلى نص الحلقة الثانية من حوار «الشرق الأوسط» مع الرئيس المصري

* تتوجهون إلى السعودية في أول جولة خارجية لكم منذ توليكم الرئاسة.
- بالنسبة لزيارة السعودية أنا حريص على أن أزور المملكة، وهذه أول زيارة لي خارج مصر منذ تولي مهام الرئاسة. لقد وقفت المملكة مع مصر بعد ثورة 30 يونيو «وقفة الرجال»، كما يقولون، ووقتها كان موقف كثير من الدول الغربية يمكن القول عنه إنه أما أن يكون متحفظا أو أخذ الجانب الآخر ووصف ما حدث بأنه انقلاب عسكري، والحقيقة لم يكتفوا بهذا وإنما أخذوا بعض المواقف العدائية وأيضا مع تلويح البعض بسلاح المساعدات التي يقدمونها لمصر؛ هذه المساعدات كما قلت للسيدة آشتون ليست مسألة مانح ومتلقٍّ، وإنما هناك مصالح ومنافع مشتركة، وكما نحصل على مساعدة فإنه في المقابل يكون هناك مصلحة في إطار دعم الاستقرار لدولة بثقل مصر.
بالتالي كان موقف خادم الحرمين الشريفين صدًّا لكل محاولات الهجوم على مصر في تلك المرحلة بما أدى إلى تحجيم كل الأدوار التي حاولت التدخل، وقال: «لهم قفوا عندكم، مصر هي مصر ولا تعتدوا على مصر ودورها، المملكة ستقف بجانب مصر وستؤيدها حتى ولو قمتم بقطع المساعدات أو رفعتم أيديكم، وسنقدم كل الدعم لمصر».
وكان هذه الموقف فوق الوصف، وبالإضافة إلى هذا قام الأمير سعود الفيصل بدور جيد جدا في عدد من العواصم الغربية، وبعد زيارته لفرنسا بدأ التحول في الموقف الأوروبي، وفرنسا بالذات كانت قد أخذت موقفا عنيفا ضد مصر بعد 30 يونيو، ولكن بعد زيارة الأمير سعود الفيصل تغير الموقف الفرنسي وأصبح أكثر هدوءا، ثم تحول إلى الموقف الحالي الذي يدعم خريطة الطريق، ويطلبون منا الاستمرار في الطريق وفق الاستحقاقات التي وضعناها كمرحلة انتقالية وخريطة للمستقبل، وإذن كان ولا بد من زيارة المملكة وأن أقدم الشكر لخادم الحرمين شخصيا على مواقفه التي أثلجت كل صدور المصريين عندما غمرها بالتضامن والدعم والمساندة، وبالتالي لا بد أن أقدم شكري وشكر الشعب والحكومة على ما قدمته المملكة لمصر.
والزيارة هي في المقام الأول شكر وتقدير وهي واجبة، وكان يجب أن نقدم الشكر على ما قدمته المملكة، وثانيا سوف يتناول الحديث مع خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز تفعيل الشركة والتعاون الاقتصادي بين البلدين وتنشيط عمل اللجان العليا المشتركة، وأتمنى أن يذهب بعد ذلك إلى المملكة وفد اقتصادي برئاسة رئيس الوزراء لمناقشة هذه المسألة بالتفصيل وحتى نقف على أهم المشروعات التي ترغب المملكة في دعم مصر من خلالها، وما هو تصور المملكة فيما يتعلق بالاقتصاد المصري، وهل المملكة تريد أن تساهم مباشرة أو عن طريق شركاتها، وكل هذه الأمور يجب أن تناقش بين المتخصصين، وأظن أن زيارة مصرية على مستوى عال للسعودية يمكن أن تحقق نتائج مهمة إن شاء الله.
* في ضوء المباحثات التي ستجري بينكم وبين القيادة السعودية كيف ترون مستقبل التعاون استراتيجيا بين البلدين على الصعيد الثنائي، وحول الملفات الإقليمية؟
- أنا حينما تشرفت بتكليفي بتولي رئاسة الجمهورية في مصر عقب ثورة 30 يونيو، وجهت وزير خارجيتي وفريقي الاستشاري بإجراء مراجعة شاملة لعلاقات مصر الخارجية، بحيث تأخذ تلك المراجعة في الاعتبار اعتبارات الأمن القومي المصري من ناحية، ومواقف الدول التي أيدت الشعب المصري في ثورته المجيدة من ناحية أخرى. وعليه، فيمكن القول بأن جولتي العربية الحالية التي تتضمن زيارة المملكة العربية السعودية والأردن تعد بشكل أو بآخر أول تفعيل حقيقي لتلك المراجعة.
وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية تحديدا، فثمة اعتبارات هامة تحكم العلاقات بين الشعبين والدولتين المصرية والسعودية؛ فمصر والسعودية هما قطبا العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي، وعليهما يقع العبء الأكبر في تحقيق التضامن العربي والوصول إلى الأهداف التي تتطلع إليها الشعوب العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.
ويحضرني في هذا الإطار مقولة المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية حين قال: «لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب».. وهي مقولة لخصت بوضوح وإيجاز القراءة الاستراتيجية للمنطقة العربية في النصف الأول من القرن العشرين، مثلما تلخصها أيضا في عصرنا الحالي.
ومما لا شك فيه أن العلاقات المصرية - السعودية قد أضيرت خلال العام الماضي، شأنها في ذلك شأن العديد من الملفات الداخلية والخارجية المصرية خلال فترة الرئيس السابق، ومن واجبنا الآن أن نصوب تلك العلاقات ونعيدها إلى مسارها الصحيح. وأستطيع الجزم بأن مصر، دولة وشعبا، عاقدة العزم على إعادة دفة العلاقات الثنائية بين البلدين على النحو الذي يخدم الشعبين الشقيقين، والعالمين العربي والإسلامي بشكل عام، وهو الحرص ذاته الذي نلمس أن السعودية تشاطرنا إياه.
وأود الإشارة في هذا الإطار إلى أن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز كان أول من بعث لي ببرقية تهنئة، تلقيتها عقب تكليفي برئاسة الجمهورية بساعات قليلة، وحتى قبل أن أحلف اليمين في اليوم التالي، كشف من خلالها الأخ العزيز عن قراءة عميقة لحقائق الوضع في مصر. ولا أخفي سرا حينما أقول إن غالبية المصريين شعروا بأن ما تضمه نص رسالة تهنئة خادم الحرمين الشريفين بشأن «خروج مصر من نفق الله يعلم أبعاده وتداعياته»، قد عبر عما كان يجوب بمشاعرهم في تلك المرحلة الدقيقة.
وفيما يتعلق باللقاء المرتقب مع خادم الحرمين الشريفين، فسوف يتناول التعاون الحالي والمستقبلي بين مصر والسعودية، والذي كان قد توقف لأسباب عديدة طيلة فترة حكم الرئيس السابق.. وهذه المجالات تشمل المشاورات السياسية حول القضايا والأزمات الإقليمية، والتعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري، فضلا عن بحث أوضاع الجالية المصرية في المملكة.
* العديد من التحليلات الغربية تنتقد ثورة 30 يونيو، كما تنتقد الموقف السعودي منها.. بل يذهب البعض إلى القول بأن الرياض تخشى من نجاح الديمقراطية في مصر.. فما تعليقكم على ذلك؟
- أطلع بشكل عام على التحليلات الغربية المختلفة إزاء الأوضاع في مصر والتفاعلات المختلفة بين دول المنطقة.. ولعلك تشاركني الرأي في أن العالم الغربي بحاجة إلى تصويب قراءته للتطورات التي تشهدها المنطقة، وضرورة ألا يستمر أسيرا لبعض القراءات المغلوطة التي توسطت بعض القوى الإقليمية لدى العواصم المختلفة لإقناعها بها.. وأثبتت الأيام خطأ تلك التصورات، واستحالة ترجمتها على أرض الواقع.
ومن هذا المنطلق فإن المقال الذي ذكرته، ومقالات أخرى عديدة، تعكس في تقديري سوء فهم لما تموج به المنطقة من أحداث... إن قطار الديمقراطية في مصر قد أقلع، ولا يمكن لأي طرف، كائنا من كان، أن يوقفه... ويهمني أن أشير في هذا الصدد إلى أن هذا القطار أقلع بمساندة سعودية كاملة إلى جانب المساندة الكاملة لعدد من الأشقاء العرب.
إن ثورة 30 يونيو، التي كانت المملكة أول المؤيدين لها، انطلقت بالأساس لتصويب مسار ثورة 25 يناير (كانون الثاني) الذي اختطفته جماعة الإخوان... فكيف إذن يمكن النظر إلى التأييد السعودي، الذي يقدره كافة المصريين، لمصر في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخها المعاصر، على أنها رغبة منها في تحجيم الديمقراطية؟ إن ذلك المنطق مغلوط، ويتغافل المصالح المشتركة التي ترتبط بها مصر والسعودية على النحو الذي سبق أن أوضحته سالفا... فالسعودية، أعلنت على لسان وزير خارجيتها سمو الأمير سعود الفيصل رفضها لأي محاولة من أي طرف للتأثير في الشأن الداخلي المصري.. وإذا كان هناك من يروج لأقاويل مغلوطة تتعارض مع تلك الحقائق عن جهل، فواجبنا هو شرح الموقف له.. أما إذا كان نشر تلك الأقاويل عن عمد، للوقيعة بين مصر والسعودية.. فإنني أدعو من يعكفون على ترديدها إلى أن يدخروا جهودهم في شيء مفيد.. فالعلاقات المصرية - السعودية سوف تظل على متانتها كمحور ارتكاز للعمل العربي المشترك، خدمة للشعبين الشقيقين، وللقضايا العربية والإسلامية أيضا.
* هل لمستم وجود أي شروط ترتبط بالدعم السعودي؟
- لا.. لم يرتبط الدعم السعودي أو أي دعم آخر تلقته مصر بأي اشتراطات أو مطالب تمس بالسيادة المصرية.
إلا أني سأحرص على أن أقدم لك إجابة مفصلة إلى حد ما.. نظرا لأن ما يشير إليه سؤالك يجري تداوله من بعض وسائل الإعلام التي بدا للعالم أجمع طبيعة الأجندة التي تعمل لصالحها.. وهي معلومات مغلوطة بالأساس، وتهدف إلى تضليل الرأي العام المصري والعالمي، والنيل من العلاقات الثنائية المتميزة بين مصر ودول الخليج العربي.
واسمح لي في هذا الصدد أن أشير إلى نقاط محددة تؤكد ما أشرت إليه: أولا، الشعب المصري قام بثورتين خلال 30 شهرا.. الكرامة الوطنية واستقلالية القرار كانتا من أهم دوافع الثورتين.. وبالتالي فإن من يتوهم أن سيادة القرار المصري يمكن أن تحجم بعوامل خارجية.. فعليه أن يراجع قراءته... ثانيا، وكما ذكرت لك سابقا، فإن مصر وغالبية دول الخليج العربي ترتبطان بشبكة واسعة من المصالح الاستراتيجية.. والتنسيق بين مصر وهذه الدول لا يخدم فقط الشعب المصري والشعوب الخليجية، بل يخدم أيضا القضايا العربية والإسلامية.
إضافة لما سبق، فإن العلاقات التاريخية بين مصر ودول الخليج زاخرة بالأمثلة والمواقف المشرفة التي عكست عمق ومتانة العلاقات بين الشعوب والدول.. ويحضرني في هذا الصدد وقوف الدول الخليجية مع مصر خلال العدوان الثلاثي عليها في عام 1956، وتقديمها مساعدات قدرت وقتها بمائة مليون دولار في أغسطس (آب) 1956 بعد سحب العرض الأميركي لبناء السد العالي، فضلا عن قرار المملكة بالتعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثي.. والأمثلة كثيرة في هذا السياق، سواء عبر 1967، و1973، والحرب الإيرانية - العراقية، ووقوف مصر في صدارة المواقف المطالبة بتحرير الكويت في عام 1990.
فالخلاصة أن الدول الخليجية لم تضع أي شروط لمساعداتها.
ودعني أضيف أن مصر لم تكن لتقبل بأي حال من الأحوال بأي مشروطية، وهو ما قد يدلل عليه موقفنا الأخير من بعض الودائع العربية.. إن كل ما يثار في هذا الصدد ما هو إلا لغو يأمل من يروجونه في تحقيق أهداف تخدم أجندتهم التي تتعارض مع المصالح العربية.. ومصر ودول الخليج يدركون ذلك تمام الإدراك، ويقفون في مواجهة تلك التحركات السلبية.
* السيد الرئيس.. في ضوء ما يميز المصالح المصرية والخليجية من تشابه وربما تطابق في الكثير من الأحيان، ما تقييمكم للعلاقات المصرية - الخليجية؟
- المصالح المصرية مع دول الخليج متطابقة إلى حد كبير.. فكما ذكرت سالفا، فإن أمن الخليج العربي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. وليس من شك في أن الأصدقاء يختبرون في المحن.. والمحنة الاقتصادية التي تمر بها مصر غير خافية.. كما أن جزءا مما تتعرض له مصر من انتقادات سياسية على الصعيد الدولي مرجعه أنها نجحت في وأد تصورات كانت بعض القوى الإقليمية والدولية تسعى إلى تنفيذها عبر نظام الإخوان، بما يضر بالحقوق العربية والفلسطينية.. ولقد وأدت ثورة 30 يونيو تلك التصورات في مهدها، وسوف تكشف الأيام المقبلة المزيد بشأنها.. والدعم الخليجي لنا في هذا الإطار، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، أمر يحظى بتقدير واسع من قبل المصريين.. ويسرع من عودة مصر إلى مكانتها التقليدية بالمنظومة العربية.
إننا نعول على الدعم الخليجي، كما أنني أثق أيضا أن الخليج يعول على الدور المصري الفاعل والنشط على المستويين الإقليمي والدولي، وهو الدور الذي تضرر خلال فترة حكم «الإخوان».
إن مصر تعرف قيمة عروبتها والبيت العربي الذي أسهمت في تأسيسه ورعايته والدفاع عن قضاياه، مضحية بالأرواح والدماء من أجله.. كما يعرف أيضا العرب قيمة مصر، حتى وإن انساقت بعض القيادات العربية في طرق مغايرة للمصالح العربية.. فالشعوب والتاريخ كفيلان بتصويب مثل تلك الانحرافات.
* بالنسبة للمساعدات التي أعلنتها بعض الدول الخليجية هل بدأت تحدث بعض الأثر؟ وما المطلوب بعد هذا الإعلان؟ وما الذي تريده مصر حتى تفعل وضعها الاقتصادي؟
- هذه المساعدات التي قدمتها الدول العربية، وخصوصا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية والكويت، كان لها أثر قوي في دعم الاقتصاد المصري؛ لأنه كما تعلم يمر بحالة غير مستقرة؛ لأن مصر منذ ثلاث سنوات في حالة ثورة ، والدولة تقريبا مشاكلها فاقت كل الحدود. وبالتالي جاءت هذه المساعدات العاجلة كي نحسن الاقتصاد المصري، ولو بدرجة يسيرة، حتى يشعر المواطن العادي بأن المسألة بدأت تسير في الاتجاه الصحيح، ولكن الأمر يحتاج لدعم أكبر، ومطلوب وضع خطة اقتصادية متعددة الجوانب حتى نسير بالاقتصاد المصري للأمام، وحتى لا نظل في حالة اعتماد على المساعدات العربية والأجنبية عموما. ولعلك توافقني أن الأفضل لمصر أن تعتمد على مواردها الذاتية، ولكن نحن نعول على الاستثمارات العربية باعتبارها استثمارات من أشقاء، وبالتالي الأمر يتطلب دعم الأشقاء في هذا المجال، أي زيادة حجم الاستثمار في مصر، وأن نرى استثمارات من السعودية والكويت والإمارات، وإذا ما تحقق هذا فسوف يؤدي إلى إيجاد فرص عمل للشباب ويدعم الاقتصاد المصري مع العمل على توظيف واستخدام الموارد الذاتية.
* ما حجم التنسيق بين مصر ودول الخليج في إطار الجهود التي تبذلها القاهرة لتجاوز الأزمة الحالية مع الغرب؟
- لا يمكن القول بأن هناك «أزمة» بين مصر والولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.. الموضوع بالأساس مرتبط بإساءة أطراف محددة أميركية وأوروبية قراءة المشهد المصري.
فكما أوضحت في إجابتي على السؤال السابق أن الدول الأوروبية ليست على قلب رجل واحد فيما يتعلق بتفهمها للأبعاد المختلفة للأزمة المصرية.. هناك بعض الدول التي تتفهمها جيدا، وهناك دول أخرى في طريقها إلى ذلك.. وبالمثل، فإن الرسائل الواردة إلينا من الولايات المتحدة ليست متناسقة تناسقا تاما.. فمنذ عدة أيام استقبلت وفدا من نواب الكونغرس الأميركي، منهم من يترأس لجانا فرعية في لجنة الشؤون الخارجية، وأبدوا تفهما ودعما كاملا لما تقوم به السلطات في مصر من جهود لتصحيح المسار الديمقراطي للبلاد ومحاربة الإرهاب والتطرف.
ونحن ننسق في مصر مع أشقائنا في الخليج لمخاطبة الإعلام الغربي واستجلاء الأمور أمام صانعي القرار هناك.. والمسألة ببساطة شديدة تستلزم فقط اتباع الغرب للموضوعية وتوقفه عن أسلوب التناسي الذي تتبعه بعض قياداته لحقائق ساطعة.
إن ثورة 30 يونيو ترتقي لأن تدرس في تاريخ الثورات البشرية.. وليس أن يجري التعامل معها بالشكل الذي تتبعه بعض الدول الغربية إزاءها.. لقد وصف البعض في تلك الدول ما جرى في 3 يوليو (تموز) بالانقلاب العسكري، في الوقت الذي حكم فيه مصر المجلس العسكري مصر لمدة عام ونصف، ولم يرَ أحد في ذلك انقلابا، بينما رأوا في بيان القوى الوطنية الصادر في 3 يوليو انقلابا عسكريا.
إن ثورة 30 يونيو هي أول ثورة في التاريخ البشري تبنى على أساس توقيعات أكثر من 22 مليون مواطن ومواطنة للمطالبة بعزل الرئيس، وأول ثورة يشارك فيها أكثر من ثلاثين مليون فرد.. لم يتظاهروا يوما أو يومين، بل استمروا في التظاهر منذ 30 يونيو وقبلها أيضا وحتى الثالث من يوليو عندما استجابت القوات المسلحة لمطالب ذلك الشعب العظيم.. كما أنها أول ثورة في تاريخ البشرية تتهم بأنها تحارب اعتصامات قيل إنها سلمية، بينما في واقع الأمر هي اعتصامات مسلحة، جرى خلالها التحريض العلني على العنف، والتهديد بحرق البلاد والعباد، ويستخدم فيها الأطفال والنساء دروعا بشرية تحيط بمن يحملون السلاح.. كل هذه الحقائق غائبة عن القراءة الغربية.. وهي الحقائق التي تقوم مصر ودول الخليج بشرحها وإيضاحها للعالم الغربي.
وأود في هذا الإطار أن أؤكد أن التنسيق القائم حاليا بين وزارات خارجية مصر والدول الخليجية لا ينحصر في ذلك الموضوع فقط، فكافة الموضوعات المطروحة على أجندة العلاقات الدولية يجري بحثها والتشاور بشأنها فيما بيننا، وأيضا تنسيق التحركات الدبلوماسية المختلفة، وذلك لخدمة القضايا العربية والإسلامية.
* طالما التزمت مصر بأمن الخليج، وقد سبق لكم أن أكدتم على ذلك رغم انخراط الجيش المصري في عمليات عسكرية ضخمة في سيناء في مواجهة جماعات وتنظيمات إرهابية، هل هذا الالتزام بأمن الخليج يأتي باعتبار هذا الأخير جزءا من الأمن القومي المصري؟
- أمن الخليج العربي يقع في صميم الأمن القومي المصري، التزام مصر به أمر غير قابل للنقاش. أما إذا كان سؤالك ينصب حول قدرة مصر على الاستمرار في تأمين التزاماتها بالمحافظة على أمن الخليج العربي في الوقت الذي تشن فيه قواتها المسلحة بالتعاون مع مؤسسة الشرطة، وبدعم شعبي مطلق، حربا ضروسا ضد الإرهاب والتطرف، فإن إجابتي نعم. ودعني أضيف أن تلك الحرب التي تشنها مصر حاليا هي جزء أصيل من جهودها لتأمين أمنها القومي، وأمن الخليج العربي.
ففي ضوء عدد من المواقف الإقليمية غير الداعمة لثورة 30 يونيو، فإن تهديدا أساسيا يمس العالمين العربي والإسلامي يتمثل في الجماعات التي تتخذ من العنف منهجا لها لتحقيق مآربها السياسية الخاطئة، والجماعات الأخرى التي تؤيدها في ذلك، أو تؤكد علانية امتلاكها مفاتيح التحكم في أنشطة الجماعات الإرهابية.. على النحو الذي شهده العالم جليا، سواء في إطار تصريحات سمعناها من منصات بالقاهرة، أو من خلال قرارات الإفراج عن قيادات إرهابية بعفو من الرئيس السابق، وتدفع اليوم مصر والعالمان العربي والإسلامي ثمنا كبيرا لها. وأود في هذا الإطار أن أشير إلى التصريحات الأخيرة التي تحرض على الاعتداء على الجيش المصري والدولة المصرية.
إن أمن مصر، وأمن الخليج العربي الذي يعد مكونا رئيسيا به، يرتبط ارتباطا وثيقا بمحاربة تلك الجماعات الإرهابية، فضلا عن أن الدين الإسلامي الحنيف هو أول المتضررين من أنشطة تلك الجماعات. وعليه، فإن الالتزام المصري بأمن الخليج العربي إنما هو من ثوابت أمننا القومي وسياستنا الخارجية، وإن ما تقدمه القوات المسلحة المصرية وهيئة الشرطة من تضحيات وشهداء أبرار إنما يزيدنا صلابة وإيمانا بكسر منابع الإرهاب، التي لن نرضى بالنصر عليها بديلا.
* ما الدول التي ترغبون في زيارتها؟
- بعد زيارتي المملكة سوف أقوم بزيارة الأردن بمشيئة الله في طريق عودتي، وكنت أتمنى زيارة الكويت، لكن صاحب السمو موجود خارج البلاد، وبالتالي سوف تجري الزيارة للكويت بعد عيد الأضحى المبارك.
* ماذا عن زيارة الإمارات؟
- سوف أقوم بزيارتها قريبا ولكن لم نرتب بعد المواعيد الخاصة بها.
* تعد الحالة السورية من الاستثناءات القليلة التي لا تخضع لتطابق الرؤى ما بين مصر والمملكة العربية السعودية.. كيف تفسرون هذا الخلاف في الرؤى؟
- ما ذكرته بشأن استقلالية القرار المصري ينسحب على كافة القضايا السياسية، بما فيها الموقف إزاء التطورات في سوريا.. فمصر دولة ذات سيادة، وقرارها السياسي مستقل تماما.. وتضع نصب أعينها عند بلورة مواقفها مصالحها العليا أولا وأخيرا. بالطبع، نتشاور مع حلفائنا في المنطقة والأصدقاء.. نستمع إليهم ويستمعون إلينا.. نسعى إلى إقناعهم إذا ما رصدنا تباينا، مثلما يسعون هم أيضا إلى إقناعنا. وفي النهاية، إذا ما انصهر الرأيان نقبل باختلاف رؤانا.. فهكذا تتعامل الدول الصديقة فيما بينها، فما بالك بالدول الشقيقة؟ إلا أن كل طرف في النهاية يتخذ قراراه النهائي استنادا إلى مجموعة من الاعتبارات الوطنية والإقليمية والدولية، على النحو الذي يحقق مصالحه العليا متقبلا اختلاف الرؤى.
وفيما يتعلق بالتطورات السورية بشكل عام، فإننا نحتكم إلى عوامل عدة من منظور المصالح المصرية والعربية طويلة الأمد، فمطالب الشعب السوري في الحصول على الديمقراطية هي مطالب مشروعة، إلا أنه من الأهمية بمكان ألا ننزلق وراء دعوات حق يراد بها باطل، فكما عانت الشعوب العربية من أخطاء ارتكبها حكامها في حقهم، عانت أيضا من تدخلات دولية اختلقت مبررات لذلك التدخل، سرعان ما لبث أن اكتشف العالم أجمع عدم صحة هذه المبررات.. وأخيرا وليس آخرا، فالسؤال الذي يفرض نفسه عند تقييم أي خطوات مقترحة للتعامل مع موقف ما هو: ماذا بعد؟ ينبغي أن نكون حذرين بشكل كبير من أن نقدم على خطوة ما لأسباب آنية.. لنجد أنفسنا لاحقا في موقف قد يكون أصعب من الموقف الحالي.
إن الأزمة السورية معقدة للغاية، والمجتمع الدولي منقسم بشكل عام فيما يتعلق بالأسلوب الأمثل للتعامل معها، وموقف مصر من الأزمة السورية يتمثل في اقتناعنا بأن حل الأزمة لن يكون عسكريا وإنما سياسي، ومن هنا يأتي تأييدنا لانعقاد مؤتمر «جنيف2».
وفيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، فإن مصر تدين استخدامها من قبل أي طرف، وتأمل أن يجري تنفيذ الاتفاق الأخير الخاص بتسليم سوريا لأسلحتها الكيميائية طبقا لما اتفق عليه، وأن ينتهي بذلك الجدل الخاص بضربة عسكرية خارج إطار الشرعية الدولية ضد سوريا. لقد أزهقت الأزمة السورية أرواحا سورية عديدة، ولا نقدر أن ضربة عسكرية من طرف ثالث - من المؤكد أنها ستزهق أرواحا جديدة - هي أمر من شأنه الإسهام في تحقيق تطلعات الشعب السوري.
إن ذلك الموقف المصري يهدف بالأساس إلى إنقاذ أرواح المواطنين السوريين، وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين.. بالتوازي مع تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري في دولة ديمقراطية تعددية تسمح لجميع السوريين بالمشاركة في بناء مستقبلهم المشترك.
واسمحوا لي في هذا الإطار أن أرحب بالجهد الذي بذلته روسيا في هذا الصدد.. وأن أطالب من هذا المنطلق بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل، وألا يقتصر ذلك فقط على سوريا.
أظن أن المسألة السورية تحل بالطريق السلمي وبالحوار بين الفصائل المختلفة والنظام الحاكم.
نحن، في التصريحات، سواء التي صدرت مني أنا شخصيا أو من السيد وزير الخارجية، أدنا استعمال الأسلحة الكيماوية، وأنا أظن أن الموقف السوري الأخير حاز، إلى حد ما، رضا المجتمع الدولي، (وذلك) حين وافق على إخضاع الأسلحة الكيماوية للرقابة الدولية، وأنها ستخضع للتدمير. وأرجو أن يكون صادقا.
* هل تغيرت النظرة المصرية لإيران عقب انتخاب «روحاني» رئيسا للبلاد؟
- إن مواقف السياسة الخارجية المصرية لا ترتبط بالأشخاص، وإنما بالمصالح والتوجهات التي تتبناها الدول المختلفة.. وبالتالي فإنني أعتقد أنه من المبكر أن نحكم على تطور العلاقات المصرية - الإيرانية استنادا إلى وصول رئيس جديد في البلاد هناك، خاصة في ظل ما هو معروف عن النظام السياسي الإيراني من عدم تفرد رئيس الجمهورية الإيرانية بكافة مفاتيح القرارات والمواقف السياسية.
وبالمثل، فإننا لا نحكم على الدول فقط من منظور تصريحات إيجابية تصدر، فالتصريحات والبيانات في السياسة الخارجية أمر هام، لكن ما هو أهم هو أن تترجم تلك التصريحات على أرض الواقع وتتسق مع السياسات المطبقة فعليا.. وهناك قضايا عديدة معلقة يتعين أن تبادر إيران إلى اتخاذ مواقف محددة بشأنها على النحو الذي يراعي الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي الذي هو جزء لا يتجرأ منه.. فإذا كانت التصريحات إيجابية، فإننا ننتظر أن تقترن بتحركات إيجابية فعلية على أرض الواقع.
نحن نراقب عن كثب المواقف الإيرانية إزاء مصر.. ونراقب أيضا مواقف الأطراف الدولية والإقليمية إزاءها.. وثمة مؤشرات إيجابية بدرت من القيادة الإيرانية الجديدة تجاه دول الخليج جرى رصدها.. ونحن في مصر منفتحون على كل من يحترم الإرادة الشعبية المصرية، ومستعدون للدخول في حوار مع إيران ومع غيرها، إذا ما احترمت الإرادة الشعبية المصرية وخلصت النوايا لإصلاح ما يعكر صفو العلاقات التاريخية بين الشعبين المصري والإيراني. وبطبيعة الحال، فإن ذلك الحوار، إذا ما جرى، سوف يكون صريحا وموضوعيا، بعيدا عن العواطف والانفعالات التي تبناها النظام السابق. سوف تكون فيه المصالح المصرية ومصالح الخليج العربي في الصدارة.. فأي تعاون مصري - إيراني مستقبلي، إذا ما جرى، سيكون عليه مؤازرة المصالح العربية والخليجية.
* كيف تنظرون إلى موقف الدوحة وأنقرة من مصر وثورة 30 يونيو؟
- على القيادتين القطرية والتركية تفسير المواقف التي تتبنياها، وليس لي أن أقدم لها تفسيرا. هذا التفسير أو التبرير، في اعتقادي، يتعين أن يقدم بالأساس للشعب المصري والشعبين القطري والتركي الشقيقين.. قبل أن يقدم للعالم الخارجي.
فلقد تلقينا على سبيل المثال اتصالات من قبل أطراف سياسية تركية عديدة، منها ما هو على المستوى الشعبي، ومنها ما هو على المستوى الحزبي، ترجو منا أن نميز في تقييمنا للمواقف التركية ما بين الموقف الذي يتبناه رئيس الوزراء التركي الحالي، الذي كان يأمل استمرار النظام السابق لأهداف نعلمها جيدا، من ناحية، وموقف الشعب التركي من ناحية أخرى. وفيما يتعلق بقطر، فإننا نتابع مواقفها عقب ما جرى من تداول للسلطة بها، ومن غير الواضح لنا حتى الآن ما إذا كان ذلك التغيير سينعكس على العلاقات المصرية - القطرية وبما يؤدي إلى خروجها من مرحلة السلبية.
لقد مارسنا قدرا كبيرا من ضبط النفس في مواجهة التدخل في شؤوننا الداخلية. إن مصر قادرة على رد الإساءة من قبل بعض ممثلي الشعوب، إلا أنها تسمو وتترفع عن ذلك إيمانا منها بأن العلاقات بين الشعوب أبقى وأهم.
إننا نعي تماما دوافع كافة الأطراف إزاءنا.. وجرى أخذها في الاعتبار في إطار المراجعة الاستراتيجية لعلاقاتنا الخارجية التي أشرت إليها سالفا.. والأمل ما زال يحدونا في أن يراجع كل طرف أخطأ في تقديراته موقفه، وأن يقف مع المصريين وليس مع مصالحه الضيقة مع فصيل جرى نبذه مجتمعيا، ففي علم السياسة تكون الغلبة للشعوب وللمصالح الدائمة للدول وليس مع أطراف بعينها جرى الاتفاق معها على تصور ما سرعان ما لفظه الشعب المصري.
وشخصيا، آمل أن تتمكن الدول التي عارضت إرادة الشعب المصري في أن تراجع حساباتها سريعا، وهو أمر سوف يجرى في تقديري آجلا أم عاجلا، فكلما طال العناد مع الإرادة المصرية، ارتفعت تكلفة تصويب المواقف الخاطئة. وهو أمر أظن أن تركيا أدركته استنادا إلى ما نلاحظه من تحول على مستوى التصريحات التركية، فضلا عن إعادتها لسفيرها في القاهرة.. وسفيرنا لن يعود إلى أنقرة الآن وليس قبل أن ترتفع الحكومة التركية إلى مستوى المسؤولية ارتباطا بعلاقات تاريخية بين بلدين وشعبين شقيقين.
وهنا أود أن أوضح أن الاستقواء ببعض الأطراف الخارجية لا يسفر سوى عن مزيد من النبذ المجتمعي لذلك الفصيل الذي أخطأ في حق مصر، إلا أن ذلك النبذ المجتمعي لا ينسحب فقط على من استقوى على وطنه بالخارج، بل ينسحب أيضا على تلك الأطراف التي انزلقت إلى خطأ التجاوب مع مطالب ذلك الاستقواء.. والأيام المقبلة سوف تثبت أن الشعوب سوف تصحح أخطاء قادتها، مثلما صحح الشعب المصري العظيم أخطاء رئيسيه السابق والأسبق.
* قراؤنا في السعودية ربما عندهم تساؤلات عن ذكرياتكم في السعودية. ما الذي تتذكر منها؟
- أنا مكثت في السعودية ست سنوات، وتقريبا ذهبت لمعظم مناطق المملكة، وإقامتي الدائمة كانت في الرياض لأنني كنت أعمل مستشارا لوزارة التجارة السعودية، وكان وقتها وزير التجارة الدكتور سلمان السليم، وهو شخص ممتاز وعلى علم، ويذكرني أنني جلست مع سمو الأمير سعود الفيصل وذكرته به وأثنى عليه كثيرا. وذهبت للخبر والدمام وجدة ومكة طبعا.
* في أي حي كنت تسكن في الرياض؟
- في شارع الوزير.
* في أي فترة؟
- ذهبت للسعودية تحديدا في ديسمبر (كانون الأول) 1983 واستمرت إقامتي هناك نحو ست سنوات. والسعودية تغيرت كثيرا بعد ذلك، وكثير من الأماكن أعيد تخطيطها. وكان الأمير سلمان بن عبد العزيز في ذلك الوقت أمير منطقة الرياض نشطا جدا ولديه رؤية ممتازة. وغيَّر الرياض تماما، وأعاد تركيبة الرياض تقريبا.
* كانت لكم صورة وأنتم في البر (بالسعودية). ما القصة وراءها؟
- كان زملاؤنا في وزارة التجارة يحبون في بعض نهايات الأسبوع عمل رحلات للبر. فكانوا يأخذوننا معهم أحيانا باعتبارنا زملاءهم، ويحبون أن ييسروا علينا، خاصة أننا كنا بلا أسر، حيث كانت أسرنا في القاهرة. وهذه الصورة كانت في إحدى مناطق البر في الرياض. كانت أياما جميلة. نرى الحياة الطبيعية. وكان يجري ذبح بعض الذبائح ونطهوها ونأكل ونتسامر.

الجزء الأول المنشور في عدد يوم الأحد 6 أكتوبر

* سعي جماعة الإخوان للاستقواء بالخارج جوبه برفض شعبي ورسمي وفي تقديري أن الجماعة
* بدأت تراجع حساباتها وتبين ذلك من خلال الاعتذارات الصادرة لكنها ما زالت غير كافية من وجهة نظر الشعب المصري
* من أهم أسباب سقوط النظام السابق اعتماده على ما أطلق عليه «الأهل والعشيرة» مع تجاهله التام لأي مطالب لا ترضى بها «العشيرة»

الرئيس المصري المؤقت المستشار عدلي منصور، لم يسبق له أن تحدث إلى وسيلة إعلام خارجية منذ توليه مسؤولية قيادة مصر في واحدة من أهم مراحلها الانتقالية في تاريخها الحديث. ومن هنا يكتسب الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» في مكتبه بقصر الاتحادية في ضاحية مصر الجديدة القاهرية، أهميته. وما يزيد من أهمية ما قاله منصور في الحوار ترافقه مع مناسبتين مهمتين؛ الأولى احتفالات مصر اليوم بالذكرى الأربعين لانتصارات «حرب أكتوبر» التي أدت إلى استعادة مصر أرضها في سيناء عام 1973، والثانية أولى زياراته الخارجية غد الاثنين إلى المملكة العربية السعودية.
في الحوار الذي تنشره «الشرق الأوسط» على جزأين، اليوم وغدا، تطرق الرئيس المصري إلى كل الأسئلة التي تتعلق بالمسيرة الداخلية المصرية، من الاستفتاء على الدستور، مرورا بالانتخابات البرلمانية والرئاسية، وجهود استعادة الأمن، والموقف من جماعة الإخوان، واعتذارات بعض قيادات الجماعة، والعلاقة مع الولايات المتحدة، وصولا إلى المباحثات التي أجرتها أخيرا في القاهرة مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون.
بين أبرز ما قاله الرئيس منصور في الجزء الأول من الحوار، المنشور اليوم، تأكيده على أن «خارطة الطريق» في مصر تنص على إجراء الانتخابات البرلمانية أولا قبل الرئاسية، وأنه لا نية لتعديل ذلك. وعن الإخوان، قال إن جماعة الإخوان المسلمين سعت منذ «ثورة 30 يونيو» إلى الاستقواء بالخارج، وهو نهج وصفه بأنه «قوبل برفض كامل على المستويين الشعبي والرسمي»، معربا عن اعتقاده بأن الرسالة وصلت إليهم أخيرا. كذلك قال الرئيس المصري إن من أهم أسباب سقوط النظام السابق تعمده إقصاء قطاع عريض من المجتمع واعتماده على ما أطلق عليه «الأهل والعشيرة».

* اليوم تمر ذكرى «نصر أكتوبر». ما هي مشاعركم الشخصية وأيضا رؤيتكم اليوم لذكرى «نصر أكتوبر». وأيضا رؤيتكم لمستقبل السلام في المنطقة؟
- في الحقيقة أكتوبر بالنسبة للشعب المصري حدث عظيم، لأننا كما تعلم حصل لنا في عام 1967 نكسة كبيرة، أثرت على مصر وأثرت على العرب، فأردنا أن نسترد الكرامة مرة أخرى. الشعب كله توحد وحتى العرب كلهم توحّدوا عام 1973 وساعدوا مصر من أجل أن تثبت أن إرادتها لن تنكسر وأن الأرض سترجع. ولقد عادت الأرض وانتصرت الإرادة في النهاية. وأظن أنه آن الأوان أن يدرك العرب الآن أيضا أنه يجب أن نجتمع ويجب أن نتوحد، لأن في تفرّقنا ضعفنا، بينما قوتنا في اتحادنا. لا شك في أن المنطقة إذا ما اتحدت سيكون شأن آخر. أما عن السلام فأنت تعلم أن بيننا وبين إسرائيل اتفاقية سلام. ومصر تحترم تعهداتها، وأبرمت اتفاقية سلام مع إسرائيل، وهي تحترم هذه الاتفاقية وليس هناك أي نية للخروج عن أحكام هذه الاتفاقية.
* كيف تلقيت نبأ تكليفكم بالرئاسة؟
- كانت لحظة صعبة جدا بالنسبة لي، وأنت تعلم ما هي مصر وماذا تمثل مصر وتعلم عدد سكان مصر وتعلم المشاكل التي تعاني منها مصر. في الحقيقة كنت في منتهى القلق وحصل لي نوع من الرهبة، إذ لم أكن أتصور أن أكون في موقع مسؤولية رئاسة دولة بحجم مصر، خاصة أن كل مساري الوظيفي كان كرجل قضاء، مع أنه يوجد في دستور 71 نصوص - حالة وحيدة في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية أن يكون رئيس المحكمة الدستورية رئيسا للجمهورية هي لمدة 60 يوما - أي عمل روتيني للإعداد للانتخابات الرئاسية.
* استقبلتم منذ أيام الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية الأوروبية كاثرين آشتون.. ماذا دار في مباحثاتكم معها؟
- أكدت آشتون خلال لقائي معها على دعم الاتحاد الأوروبي لخارطة مستقبل الشعب المصري وأثنت في هذا الصدد على الجهد الذي تقوم به «لجنة الخمسين»، وما لمسته من توجه نحو اعتماد دستور يعبر عن كل المصريين. كما أثنت على جهود الإدارة المصرية الحالية للتواصل مع مختلف الأطراف على الساحة السياسية المصرية، مشددة على اتفاقها معنا في الرأي في أن من يريد أن يشارك في هذه المسيرة يجب أن تأتي مشاركته إيجابية، وأن الجميع بات يدرك أهمية المضي قدما في خارطة المستقبل وأنه لا عودة إلى الوراء. كذلك أكدت آشتون أنها تولي اهتماما كبيرا بتلقي مصر الدعم الاقتصادي المناسب في هذه المرحلة، وأنها سوف تبذل مساعيها لدى المؤسسات المالية الأوروبية، لا سيما بنك الاستثمار الأوروبي وبنك الإعمار والتنمية الأوروبي. وحرصت الممثلة العليا الأوروبية على أن توضح أنها في حديثها مع الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد تقوم بشرح وإيضاح الصورة التي لم يفهمها كثيرون لأنهم كانوا يتابعون الشاشات التلفزيونية دون غيرها. وفي هذا الإطار، أكدت على إدانة الاتحاد الأوروبي القاطعة للعمليات الإرهابية التي تشهدها مصر، حيث قدمت لي خالص تعازيها في شهداء مصر الأبرار من القوات المسلحة والشرطة الذين سقطوا في مواجهة الإرهاب.
* وماذا عن موقف المساعدات الإنمائية الأوروبية؟
- المساعدات الإنمائية تعد أحد جوانب العلاقات الثنائية بين الدول، بخلاف جوانب أخرى عديدة.. ولا توجد علاقة بين دولتين أو بين دولة وتكتل جغرافي، يمكن اختزالها فقط في قيمة المساعدات. وفيما يخص الدول الأوروبية، فإن مصر والاتحاد الأوروبي يرتبطان بعلاقات تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية هامة، وكانت مصر من أوائل الدول التي ساهمت في بناء الشراكة الأورو - متوسطية بين ضفتي المتوسط. إلا أن الاتحاد الأوروبي أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من خلال اجتماع فريق العمل المصري - الأوروبي، عن تقديمه دعما لمصر يقدر بخمسة مليارات يورو.. حقيقة الأمر أن ذلك المبلغ لا يعدو أن يكون أكثر من رقم إعلامي، جرى التوصل إليه عبر تجميع مجموعة من الأرقام الأخرى - البعض منها مساعدات حصلت عليها مصر بالفعل، وهو القدر الضئيل منه - وغالبية الأرقام الأخرى لا تعدو أن تكون أكثر من وعود، أو قروض لم تحصل عليها مصر فعليا. وأنت حينما تتحدث مع المسؤولين الأوروبيين في ذلك الأمر يشيرون إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف ببلدانهم في الوقت الراهن.. وإلى أزمة اليورو.. ويحدثونك مطولا عن الإجراءات التقشفية التي يطبقونها في بلدانهم. ونحن، على الرغم من تفهّمنا التام للأبعاد المختلفة للأزمة الاقتصادية التي يمر بها الاتحاد الأوروبي، فإننا في الوقت ذاته كنا نأمل في أن يوجه الاتحاد الأوروبي مساعدات أكبر لدعم الثورة المصرية.. على الأقل بشكل يتناسب مع الصخب الإعلامي الذي يحرص عليه في هذا الشأن، والحل يكمن في تقديري في توافر الإرادة السياسية.
للأسف، لا تزال هناك بعض الدول الأوروبية التي لم تتفهم مغزى الثورة المصرية، وما ترمز إليه من كرامة وندية في العلاقات بين مصر وسائر دول العالم. وما زالت تصلنا معلومات حول توجه بعض العواصم الأوروبية إلى فرض ما يسمى بالمشروطيات على مساعداتها لمصر، وهي كما ذكرت ضئيلة للغاية. غير أن الشعب المصري لن يقبل تحت أي ظرف من الظروف شروطا تصاحب المساعدات المقدمة. هذه المساعدات تحقق مصالح مشتركة بين مصر والطرف المانح، ولن نجد غضاضة على الإطلاق في رفض أية مساعدات قد نستشعر أنها باتت مقرونة بأي شكل من أشكال الشروط.. مثلما فعلنا بالفعل أخيرا مع الوديعة القطرية التي أعيد تحويلها إلى الدوحة.
* كيف تنظرون إلى تلك الشروط الأوروبية؟
- كما أوضحت سابقا، لن يقبل المصريون بأي حال من الأحوال أن تمسّ سيادتهم ولن يقبلوا أي تدخل في الشأن الداخلي، أو حتى مجرد التأثير عليه، وفي حالة ما إذا استشعرنا شبهة في ذلك، فسيكون ردنا فوريا، مثلما سبق أن فعلنا مع قرارنا بإعادة الوديعة القطرية. من يريد دعم مصر، وفقا للرؤية والاستراتيجية التي اعتمدتها الحكومة المصرية، فأهلا وسهلا به.. أما من يتوهم أنه سيرسم لنا معالم طريق محددة مقابل مساعدة ما، فموقفنا، الشعبي والرسمي، سوف يكون رافضا.. نحن نقف أمام أية محاولات غربية في هذا الصدد، واسمحوا لي بهذه المناسبة أن أحيي المملكة العربية السعودية، بشكل خاص، على التصريح الذي جاء على لسان وزير خارجيتها بشكل واضح لا لبس فيه من أنها سوف تعوض أية مساعدات لمصر لم يتم الوفاء بها.
إننا على يقين أن التيار المتفهم داخل الدول الأوروبية لطبيعة المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها مصر والتغييرات الجسام فيها، سوف يكون له الكلمة النهائية عند بلورة الموقف الأوروبي النهائي الموحّد. إن لقاءاتي المتتالية مع المسؤولين الأوروبيين خلال الفترة الأخيرة كشفت عن وجود إدراك متزايد لدى الاتحاد الأوروبي لحقيقة الأوضاع في مصر. ومن منظور أوسع، أعتقد أن الغرب في طريقه إلى فهم الحقائق بشكل صحيح. وبدأ في الإدراك بأن التهديد بقطع المساعدات لن يؤثر في القرار المصري، بل على العكس، سيباعد أكثر فأكثر بين الشعب المصري وتلك المساعدات.
* خارطة الطريق التي التزمت بها رئاستكم وتشرفون عليها، هل ترون أنها تسير بالسرعة المناسبة التي تكفل تنفيذها في الفترة الزمنية المحددة لها؟
- تمر مصر بمرحلة تأسيسية مهمة. إننا نؤسس لدستور ديمقراطي يضمن الفصل الكامل بين السلطات الثلاث، ويكفل الحريات للمواطنين، ويستجيب لتطلعات الشعب المصري التي ثار من أجلها في يناير (كانون الثاني) 2011 وثار مجددا لها في يونيو (حزيران) 2013 عندما استشعر أن أحلامه قد سرقت وتم الانحراف بها في اتجاه لا يرغب فيه. وعليه، فإن الجوانب السياسية التي تتضمن إعداد دستور مصري جديد إنما تستهدف بالأساس ضمان حقوق المواطن العادي بما في ذلك حقوقه الاقتصادية. إن الثورة المصرية قامت على شعار واضح، وهو «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».. ونحن في جهودنا الحالية نأخذ في الاعتبار الأضلاع الثلاثة لذلك المثلث. نحن نتقدم على طريق الحرية عبر تأسيس نظام دستوري جديد يضمن ألا تجري سرقة الديمقراطية الوليدة مجدّدا وتحويلها إلى أداة ظاهرية تخدم فئة صغيرة من المجتمع المصري، كما أننا نتقدم أيضا على المستوى الاقتصادي عبر بذل كافة الجهود الممكنة لإعادة إطلاق نشاطه بالبلاد وخلق فرص عمل جديدة، وتلبية الاحتياجات المعيشية للمواطنين من تعليم ومسكن وخلافه. والخطط الاستثمارية التي اعتمدتها الحكومة أخيرا كلها تعد خطوات تصب في ذلك الاتجاه.. كما أننا نخطو أيضا في طريق العدالة الاجتماعية.. حيث تم على سبيل المثال أخيرا تحديد الحد الأدنى للأجور بالجهاز الحكومي.
نحن، إذن، لا نهتم بالجوانب السياسية على حساب الجوانب الاقتصادية كما ذكرت، أو على حساب الجوانب الاجتماعية. ولكن، بطبيعة الحال، الظروف قد تفرض نفسها في بعض الأوقات بحيث نجد أنفسنا بحاجة إلى معالجة قضية ما قبل الأخرى أو أن تفرض قضية ثالثة نفسها مثل الأمن على سبيل المثال. وكما تعلمون، تحقيق الأمن ضرورة لأية انطلاقة اقتصادية، فمن دونه، لا يمكن أن تعود الاستثمارات والسياحة على النحو المرجو الذي يتناسب مع احتياجاتنا من ناحية، ومع الإمكانيات الزاخرة المصرية والفرص المتاحة بالبلاد من ناحية أخرى. أما إذا كنت أرى أنها تسير بالسرعة المناسبة التي تكفل تنفيذها في الفترة الزمنية المحددة لها، فكما تعلمون تحققت كل الاستحقاقات الماضية بخارطة المستقبل طبقا للجدول الزمني الموضوع، وإنا على ثقة من أنه سيجري تطبيق كل استحقاقاتها المستقبلية في مواعيدها، حتى وإن شكك كثيرون في إمكانية تحقيق ذلك نظرا لقصر الفترة الزمنية الممنوحة لها في مقابل استحقاقاتها المختلفة.
* هل حددتم سقفا زمنيا لخارطة الطريق إلى المستقبل؟
- هي مرتبطة بما سينجز على الأرض، بمعنى أننا أوشكنا أن ننتهي من وضع الدستور. وفي خلال شهر، كحد أقصى، ستنتهي «لجنة الخمسين» من عملها وسيتم بعد ذلك طرح الدستور للاستفتاء عليه. وأنتم تعلمون أن هذه الإجراءات تأخذ وقتا، ومثلا لو قلنا تأخذ شهرا أو أقل يكون الدستور انتهى وعلى الفور سأعلن بدء الانتخابات البرلمانية التي تستغرق ما بين شهرين أو شهرين ونصف الشهر حتى نجري الانتخابات ثم الإعادة وبعدها النتيجة. كل المسائل اللوجستية تحتاج للتحضير مثل الجداول وغيرها، وهي نعمل فيها حاليا من خلال اللجنة الانتخابية. وبعد الانتخابات البرلمانية بشهرين أو ثلاثة نبدأ في الانتخابات الرئاسية.
* إذن، سوف تسبق الانتخابات البرلمانية الرئاسية بشهر؟
- هكذا رسمت خارطة الطريق وليس هناك نية للتعديل.
* فخامة الرئيس.. يدرك الجميع طبيعة المرحلة الحالية التي توصف بأنها انتقالية، لكن تراكمات المشاكل الاقتصادية السابقة على «25 يناير» وما تلاها، خاصةً خلال فترة العام الماضي، وضعت الاقتصاد المصري حسب كل التقارير والتصريحات في موقف صعب.. كيف تتخذون قراركم السياسي أخذا في الاعتبار هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة؟
- القرار السياسي المصري مستقل تماما، وهو يضع في اعتباره المصالح المصرية أولا وأخيرا. إن من أهم مكتسبات «ثورة 25 يناير»، التي أكدت عليها «ثورة 30 يونيو»، أن الشعب المصري رافض تماما بأن يربط قرارات بلاده السياسية بأي عامل آخر، باستثناء مصالحه العليا، الحالية والمستقبلية. الوضع الاقتصادي في مصر صعب، نتيجة لتراكمات عديدة.. منها: سوء إدارة من قبل الحكومات السابقة، ومنها أيضا بعض المشاكل الهيكلية التي نعيها تماما وندرك أهمية معالجتها في الوقت المناسب، مع مراعاة الجوانب الاجتماعية. بيد أن المشكلة الرئيسية للاقتصاد المصري تتمثل في الحاجة إلى الوصول إلى استقرار أمني، يمهّد لإعادة إطلاق النشاط الاقتصادي. إن مصر بلد غني بموارده البشرية.. ويمثل سوقا اقتصادية هائلة، كما أن المجال مفتوح للعديد من المشاريع الاستثمارية العملاقة التي يمكن أن تغير الصورة الاقتصادية العامة للبلاد في غضون عشر سنوات، إلا أن ذلك يستلزم بطبيعة الحال تحقيق الأمن في كافة ربوع البلاد. فلا مجال عن الحديث عن انطلاقة اقتصادية حقيقية من دون أمن كامل. وغني عن البيان أن الدعم الذي قدمته المملكة العربية السعودية والأشقاء العرب كان له أكبر الأثر في تدعيم استقلالية القرار المصري بعيدا عن ضغوط الوضع الاقتصادي المتردّي.
* في إطار ما طرح في خارطة الطريق عن أنه لا إقصاء لأحد طالما لم يتورط في العنف، بالنسبة إلى ملف الإخوان، أصبح هناك عداء شعبي لهم. في رأيكم كيف يمكن التعامل مع هذا الملف في المستقبل؟ وهل ترون أي إشارات من تيارهم إلى استعدادهم إلى المشاركة في الحياة السياسية وفق القواعد الجديدة؟ وهل تتعرضون لأية ضغوط في هذا الشأن؟
- لقد سعت جماعة الإخوان منذ «ثورة 30 يونيو» إلى الاستقواء بالخارج. وهذا النهج الذي قوبل برفض كامل على المستويين الشعبي والرسمي، ورد فعلنا يكون دائما فوريا حينما نرصد أية محاولة جديدة من قبلهم للاستقواء. وأعتقد أن الرسالة وصلت لهم أخيرا، كما أنها وصلت أيضا للأطراف التي كانت تستجيب لمطالبهم في هذا الشأن.
من أهم أسباب سقوط النظام السابق في مصر تعمّده إقصاء قطاع عريض من المجتمع، واعتماده على ما أطلق عليه «الأهل والعشيرة» مع تجاهله الكامل أية مطالب لا ترضى بها هذه العشيرة. ولهذا حرصت عند تشرّفي برئاسة الجمهورية على أن تمد السلطات الحالية يدها لكلّ الأطراف السياسية في المجتمع، أيا كانت انتماءاتها أو معتقداتها، طالما كانت أيديها غير ملوثة بالدماء والتزمت بنبذ العنف. لقد عرضنا، على سبيل المثال، التشاور مع الأطراف كافة عند اختيار رئيس الوزراء والتشكيل الحكومي، كما بعثنا برسائل إلى مختلف الأحزاب والتيارات السياسية للتقدم بمرشحيها في «لجنة الخمسين» المنوط بها اعتماد التعديلات الدستورية. إلا أن الإخوان آثروا عدم المشاركة في بناء مصر المستقبل، وفضّلوا عوضا عن ذلك الاستمرار في الاعتصامات المسلحة، والتهديد بحرق البلاد، وبذل المساعي الحثيثة لمعاداة العالم الخارجي لبلدهم.
وتقديري في هذا الصدد أن الجماعة بدأت في مراجعة حساباتها، وتبين ذلك جليا من خلال الاعتذارات الصادرة عن بعض قياداتها للشعب المصري عن سوء إدارة البلاد. إلا أن تلك الاعتذارات لا تزال غير كافية، ليست تلك وجهة نظري، وإنما هي وجهة نظر الشعب المصري. كذلك من الأهمية بمكان أن تقترن تلك الاعتذارات بتغيير في الممارسات على الأرض.. فليس معقولا أن يستمر العنف الممارس من قبلهم والتحريض على الجيش والشرطة، ثم يدّعون أنهم تقدموا باعتذار. على الجماعة أن تدرك وتصرح بشكل واضح أنها جزء من الوطن، وليس العكس.
إن مصر تسير بخطى واثقة في طريق تنفيذ خارطة المستقبل السياسية.. ونحن نعمل بكل ما أوتينا من جهد في اتجاه بناء دولة مؤسسات ووضع الأسس السليمة للدولة الديمقراطية الحرة المستقبلية في مصر، لكننا في الوقت الذي نحرص فيه على إشراك كل الأطياف الوطنية في المسار السياسي، فإننا نحرص أيضا على تجنب إهدار المزيد من الوقت. مصر لن تنتظر أحدا لكي تنهض، ومن يريد مشاركتنا البناء، فهو مرحب به طالما التزم بالقواعد الديمقراطية ونبذ العنف. أما من يتلكأ في ذلك، ويتوهم أن العالم الخارجي أو نهج العنف سيعزز من موقفه.. فذلك خياره وحده، والقانون كفيل بالتعامل معه.
أما حيال الحديث عن ضغوط تتعرض لها الرئاسة المصرية، فلعلكم تابعتهم بعضا من هذه الضغوط والتهديدات التي لم تجد لدينا أي صدى، وجرى تجاهلها تماما. ولقد أدركت تلك القوى أن مساعيها للضغط على مصر لن تغير في الأمر شيئا سوى الانتقاص من صورتها وشعبيتها في مصر.
* من هي الأطراف التي رفضت الحوار مع الحكومة؟
- نحن نحاول مع الجميع..
* حتى مع الإخوان؟
- هم الإخوان. ونحن نحاول معهم ولا نريد إقصاء أحد، ودائما الرسالة واضحة عندما نقول إن من أراد أن يمارس الحياة السياسية من جديد في ظل النظام القادم نحن نرحب به بشرط واحد هو أن يكون لم يمارس العنف أو حرض عليه أو خضع لعقوبة وسوف تجرى له محاكمة عادلة أن ثبتت التهمة عليه سيعاقب، وإن برأته المحاكمة أهلا به.
* بعض المراقبين يتوقعون أن يدفع الإخوان نحو ترشيح مستقلين عنهم خلال الانتخابات البرلمانية القادمة هل من محاذير؟
- هذه مسؤولية الشعب، أما أنا فليست لدي أي محظورات. إنها مسؤولية الناخبين وعليهم أن يدققوا في من يختارون، نأمل ألا ينتخبوا من ارتكب عنفا أو أحيل للتحقيق، وهذا الشخص غير مسموح له بالترشح إلى أن يتضح الموقف القانوني.
* هل تتوقع أن ترى برلمانا مصريا في خارطة المستقبل الحالية أكثر تعبيرا عن الشعب المصري من سابقه؟ وكيف ترى دور الشباب في هذه المرحلة السياسية؟
- قطعا سنرى برلمانا مصريا أكثر تعبيرا عن الشعب المصري في المرحلة المقبلة. هذا لا يعني أن الانتخابات البرلمانية السابقة التي شهدتها مصر كانت غير حرة. لقد كانت انتخابات حرة بإشراف قضائي كامل، لكن الشعب المصري تمرّس سياسيا طيلة 30 شهرا، وبات يدرك اليوم أن الشعارات التي كان البعض يتاجر بها لم تكن إلا خداعا لبلوغ غايات أخرى. لقد استفاد المصريون من التجربة المريرة التي مرّوا بها العام الماضي.. وإنني لعلى ثقة بأنه سينتج عن الانتخابات البرلمانية المقبلة برلمان يمثل بحق الشعب المصري، بسماحته واعتداله ووسطيته.
ونحن ندرك جيدا أن الشباب هو مستقبل مصر، والحكومة على رأس أولوياتها كل الهيئات المعنية بالشباب، وبصفة خاصة، إصلاح وتطوير وإعادة هيكلة المنظومة التعليمية بكافة مراحلها ومناهجها، بما يتيح تعليما حقيقيا يحقق طموحات وتطلعات المصريين. ثم إننا نضع في الاعتبار أن مصر دولة شابة، والشباب الذي أتى بالحرية للشعب المصري كله، يجب أن يأتي في صدارة الأولويات وأن يشهد تمكينا حقيقيا في كافة المجالات وليبني هذا الشباب مستقبله بنفسه، بفكره وحماسه، وتطلعاته، وطموحاته. وارتباطا بذلك فإن أهم ما يمكن أن نقدمه لشبابنا هو تعليم يضمن لهم مستقبلا أفضل في دولة عصرية تسعى إلى الديمقراطية من خلال التعليم والتنمية الاقتصادية.
إنني أؤكد أن الدولة المصرية ستضع على رأس أولوياتها كل الهيئات والمنشآت الخاصة بالشباب، وبصفة خاصة إصلاح وتطوير وإعادة هيكلة المنظومة التعليمية بكافة مراحلها ومفاهيمها، بما يتيح تعليما فعليا وحقيقيا يستجيب لطموحات وتطلعات المصريين في غد أفضل يحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المرجوة من «ثورة 25 يناير». ويهمني في هذا الصدد أن أؤكد أن نظام التعليم في مصر خلال العقود الأخيرة يتحمّل جزءا كبيرا من المسؤولية عن حالة الإحباط واليأس الذي أصاب شبابنا وإهدار فرصه في تكوين قدراته ومهاراته وكفاءاته.
* كيف تنظرون إلى أوضاع أقباط مصر، وما تعرضت له كنائسهم من اعتداءات؟
- الأقباط في مصر، مثلهم مثل المسلمين، لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات الخاصة بأي مواطن.. فالدولة المصرية الجديدة التي نؤسس لها تستند إلى مفهوم المواطنة في تعاملها مع الجميع. والدولة المصرية حريصة على حماية حقوق كل مواطنيها، ولا تتعامل أبدا من منطلق ديني. إن حرية الاعتقاد مكفولة للجميع.. ولا شأن لأجهزة ومؤسسات الدولة بعلاقة المواطن بربه.. اللهم إلا فيما يتعلق بالقوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية التي تأخذ في الاعتبار تطبيق تشريعات خاصة للمسيحيين والمسلمين كل طبقا لديانته، وفقا للقانون. إن الشعب المصري يلفظ مفهوم «الأقليات الدينية».. إذ لا يوجد في مصر أقليات بالمعني الكيفي. بالتأكيد، هناك أقليات كمية إذا نظرنا إلى نسبة معتنقي ديانة ما إلى إجمالي تعداد سكان مصر.. لكن أقلية بالمعنى الكيفي، أي جزء مختلف وربما في درجة من السواد الأعظم من الشعب.. فلا مجال للحديث عن ذلك بالنسبة لمصر. ولو توجه من يردّدون ذلك إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وغيرها من الكنائس المصرية، لسمعوا منهم ما أقوله لك.
مع ذلك، فإن مصر الجديدة لا تتبع منهج تجميل الصورة أو دفن الرؤوس في الرمال، وهنا أعني أن المجتمع المصري يشهد بين الحين والآخر بعض التوترات التي قد تتطور لتأخذ أبعادا دينية أو طائفية. إن أفضل وسيلة لمحاربة ذلك في تقديري يكمن في القانون وضمان سيادته، ومسؤولية الدولة هي فرض سيادة القانون على الجميع. ونحن، على سبيل المثال، على علم بالمناشدات الغربية التي تصدر بين تارة وأخرى في هذا الموضوع، والتي تعتمد بشكل رئيس على أقاويل مغلوطة. وثمة مفارقة يتعين تسجيلها في هذا الصدد: فأين كان الغرب من حرق الكنائس التي شهدتها مصر في الأيام الأخيرة؟ لماذا كان صامتا؟ الإجابة في تقديري أن البعض فضّل أن يغمض عينيه لأن الأحداث لم ترق له، وهو ما يؤكد لنا أن تلك الدعاوى الغربية في هذا الصدد ليست إلا دعوات حق يراد بها باطل. وعلى الغرب أن يريح ويستريح في هذا الشأن. مصر هي التي ستحل مشاكلها بنفسها. لقد استهدفت جماعة الإخوان والتيارات المتشددة الأخرى الموالية لها الأقباط وكنائسهم ومتاجرهم.. وأقدّر هنا بشدة، مثلي في ذلك مثل كل المصريين، الموقف النبيل الذي اتخذه قداسة البابا تواضروس الثاني، الذي أكد بموجبه أن للحرية ثمنا غاليا، وإن كان حرق الكنائس هو جزء من هذا الثمن، فإننا نقدمه لبلادنا بصبر وحب.
* كثرة من المراقبين تعزو المشكلة الاقتصادية المستمرة في مصر إلى حالة الاضطراب الأمني، بسبب استمرار المظاهرات وأعمال تخريب سواء كتلك التي تحدث في سيناء أو بعض المظاهرات السياسية التي تشهدها القاهرة وبعض المحافظات.. ما الذي ينبغي عمله في المجال الأمني خلال المرحلة القادمة؟
- في الحقيقة أنت لمست نقطة مهمة جدا، ونحن لدينا ثلاثة مسارات مهمة: المسار الأمني والمسار السياسي والمسار الاقتصادي. من دون المسار الأول ومن دون توفير أمن حقيقي للدولة المصرية لن يتحقق شيء على المسارات الأخرى، وسيتأثر المساران السياسي والاقتصادي. مثلا هل سيأتي المستثمرون لمصر وهي غير آمنة؟ الإجابة طبعا لا. إذن من الضروري تحقيق الاستقرار والأمن. وبالتالي، هذا المسار له الأولوية، ولقد قطعنا فيه شوطا كبيرا، وأعتقد أن الجميع يرى أن مصر الآن غير مصر التي كانت منذ شهر مثلا أو شهرين أو ثلاثة. ونحن إن شاء الله ماضون للتأكيد على أهمية الأمن وتطوير منظومة الأمن ومتابعة الخارجين على القانون، سواء في الجانب الجنائي أو بالنسبة لمن يرغب في التعبير عن آرائه السياسية بالعنف، ونحن جادون في التعامل بكل حسم وحزم وبالإجراءات القانونية تجاه الفصيلين حتى ندعم المسار السياسي والاقتصادي.
* ماذا عن علاقتكم بالولايات المتحدة والتي أصابها بعض التأثر؟
- الولايات المتحدة منذ البداية كان موقفها متحفظا على ما حدث في مصر، وكانت لها حسابات معينة. لا أريد أن أسهب في هذا الأمر، لكنني أظن الآن أنها أكثر تفهما لما حدث في مصر، وهذا ما انعكس في خطاب الرئيس باراك أوباما أخيرا. وأيضا أستطيع أن أقول إن الإدارة الأميركية ليست متطابقة في كل مؤسساتها، بمعنى هناك من يعتقد أن ما حدث في مصر ثورة شعبية حقيقية وكذلك في الإدارة الأميركية، وأيضا في الكونغرس، ولقد جلست مع بعض أعضائه. ومعظم من جلست معهم يرون أن ما حدث في مصر ثورة شعبية، وكان لا بد أن يحدث ما حدث لأن النظام السابق كان يسير في طريق خطأ تماما.
* بحكم خلفيتكم القضائية ورؤيتكم للصراع والصدام الذي حدث بين الرئيس السابق والسلطة القضائية.. كيف ترون المستقبل الأمثل للعلاقة بين السلطة القضائية وأي تحول ديمقراطي قادم في مصر؟
- حقيقةً المعركة التي قادها النظام السابق مع السلطة القضائية كانت معركة خاسرة. والمشكلة أنه تصوّر أن كل أجهزة الدولة تعمل ضده، ولذلك اصطدم مع القضاء ومع الجيش والشرطة والأزهر والإعلام ولم يترك أحدا من دون أن يصطدم معه. أما فيما يتعلق بالقضاء كسلطة مستقلة، أنا أعتقد أن الدستور الجديد سينظم العلاقة بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية على نحو محدّد وقاطع، وهو أعطى السلطة القضائية حقها من الاستقلال. أظن أن ليس هناك أي إشكالية في الأمر لأن السلطة القضائية سلطة مستقلة، والسلطة التنفيذية لها مجال تعمل فيه ولا شأن لها بالسلطة القضائية. السلطة القضائية صمام أمان لهذا البلد لأن أي بلد بلا قضاء لا أظن أنه سيكون بلدا يسير على أصول سليمة.
* بالنسبة لمحاكمة المتورطين من النظامين السابقين.. كيف ترون طبيعة المحاكمة؟
- رئيس النظام السابق يحاكم بتهمة جرائم معينة ومحال لجهات التحقيق بجرائم، والنظام الأسبق له جرائم أخرى. ومن بين من حوكم الرئيس الأسبق لكنه طعن في الحكم بمحكمة النقض التي ألغت حكم أول درجة للأسباب التي ارتأتها، وهو الآن يحاكم وأعيدت محاكمته مرة أخرى، أما أركان النظام السابق ففي مرحلة التحقيق وقريبا ستتم إحالتهم إلى المحاكمة.
* هل تعتقد أن مصر خلال الفترة المقبلة تستطيع أن تتغير؟ بمعنى ما هي رؤيتكم تجاه وجود احتقان سياسي وبعض العنف من قبل بعض الجماعات؟
- أظن أن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت، ويجب إلا ننسى أننا بشر. ولاحظ أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن تتصوّر بعدما وصلت إلى الحكم أنه ستتم إزاحتها بهذه السهولة، ولهذا ما يحدث منهم الآن هو رد فعل طبيعي على فقدانهم السلطة التي حاربوا كثيرا من أجلها منذ عام 1928. هذا الكيان له تنظيم وهياكل وخطط وبرامج.. وكونهم وصلوا إلى حكم مصر، وهي ليست أي دولة، ثم فشلوا هذا الفشل الذريع، أصيبوا بنوع من الصدمة الشديدة. وللأسف الشديد ما زالوا تحت تأثيرها وهم عاجزون عن تصور أن الأمر قد حدث وأنهم أزيحوا من السلطة.. وحتى هذه اللحظة يعيشون في العالم الافتراضي الخاص بهم.
* هل هذا العالم الافتراضي سيشهد عنفا مستمرا؟
- سوف يأخذ بعض الوقت.. لكنني أظن أن المسائل ستنتهي مع الوقت.
* ماذا عن الوضع في سيناء والعمليات العسكرية التي تجري حاليا هناك؟
- الجيش المصري يقوم بأعمال بطولية وهو يتتبع الخارجين عن القانون والجماعات الإرهابية التي تحاول أن تروع المصريين، وهو أوشك على الانتهاء من عملياته. وإن شاء الله في القريب العاجل سنعلن القضاء على جزء كبير جدا من الإرهاب هناك.
* حماس قريبة من الإخوان وتتهَم اليوم بأن لها أدوارا فيما يحدث في سيناء. كيف ترى طبيعة العلاقة المستقبلية بينها وبين مصر؟
- مصر قدمت وتقدم وستقدم الكثير للقضية الفلسطينية. والقضية الفلسطينية في قلوب المصريين جميعا، أما إذا كنت تتحدث عن الأمن القومي المصري.. فهو يسمو فوق كل اعتبار، وإذا ما جرى تجاوزه فالرد سيكون شديد الغضب وشديد القسوة.
* لدي سؤال يتعلق بالدستور.. ولا يخص مصر وحدها بحكم تجربتكم القضائية، وهو أنه في العالم العربي هناك صراع بين عدة تيارات لعل أبرزها تيار الإسلام السياسي الذي يستخدم العباءة الدينية، وما بين تيارات أخرى مدنية في العالم العربي ما هي طبيعة العلاقة التي يجب أن تحكم، خصوصا أن مصر تمر بمرحلة انتقالية ديمقراطية وما هي الرؤية الأسلم والأفضل لمثل هذه الدول حتى تتعاطى مع مسألة الدين وعلاقته بالسياسة؟
- الحقيقة أن لي رأيا خاصا، ليس كرئيس دولة لكن هذا رأيي الشخصي كمواطن. أنا أرى أن الدين مقدس.. الدين يحكم العلاقة بين الإنسان وربه، أما السياسة فلها رجالها ولها أحكامها أيضا فلا أستطيع أن أقبل أن ينزل المقدس لكي يمارس السياسة. الحاكم الذي يدين بدين الإسلام يجب أن يتعامل من منظور الإسلام.. بمعنى أن الإسلام يحرّم الكذب، فيجب أن يكون الحاكم صادقا مع شعبه ومع نفسه أولا. الإسلام يحرّم الخديعة فيجب ألا يخدع الحاكم شعبه. الإسلام يحرّم الرشوة ويحرّم كل الموبقات هذا ما أفهمه بالنسبة للإنسان الذي تكون له خلفية إسلامية أو كما يقولون مرجعية إسلامية. إنما هل الإسلام حدّد لي ما النظام الذي أتبعه من النظريات الاقتصادية.. النظام الرأسمالي أم النظام الاشتراكي؟ لا.. الإسلام قال لي لا تظلم المواطنين. الإسلام قال لي حقق مجتمع السلامة والعدل. عندما يكون لديك مواطنون تأكد أن أقلهم يعيش عيشة مناسبة، إنما في الوقت نفسه الإسلام لا يحرّم أن يكون هناك أغنياء. والإسلام يعرف هذا أن هناك أغنياء وفقراء. بمعنى أن الزكاة فرضت لهذا. خذوا من أغنيائهم لفقرائهم. هذا هو الإسلام الذي أفهمه. الإسلام دين سامٍ وراقٍ ورحب وفيه سعة. ليس دين التشدّد ولا دين الغلظة ولا الدين الذي يحاول بعض الإسلاميين أن يصدّروه للعالم. نحن ظلمنا الإسلام كثيرا. وسنحاسب على هذا أمام الله. الإسلام أرقّ وأجمل من الصورة المصدرة له. هل دعا الإسلام إلى ترويع الناس؟ هل من الإسلام أن أذهب إلى بلاد غير بلادي وأقتل وأهدم. أي إسلام هذا. أنا لا أرى أن هذا من الإسلام في شيء.

محطات مصرية منذ 25 يناير

* 25 يناير (كانون الثاني) 2011: انطلاق مظاهرات شبابية في القاهرة رفعت للمرة الأولى شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» في احتفال البلاد بعيد الشرطة.
* 28 يناير: اتساع المظاهرات في «جمعة الغضب»، وبدء اعتصام مفتوح في ميدان التحرير بقلب القاهرة، وانسحاب الشرطة، وقرار الرئيس الأسبق حسني مبارك بنزول الجيش لحفظ الأمن.
* 11 فبراير (شباط): مبارك يقرر التنحي عن الحكم ويكلف المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد؟
* 19 مارس (آذار): الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أدخلتها لجنة معينة برئاسة المستشار طارق البشري على دستور 1971.
* 30 مارس: صدور إعلان دستوري من المجلس العسكري تضمن تعديلات لجنة البشري.
* 3 أغسطس (آب): بدء محاكمة مبارك.
* 28 نوفمبر (تشرين الثاني): بدء أولى مراحل انتخابات مجلس الشعب.
23 يناير 2012: انعقاد أولى جلسات مجلس الشعب الذي هيمنت عليه القوى الإسلامية وحصدت جماعة الإخوان المسلمين أكثرية مقاعده.
* 23 مايو (أيار): بدء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
* 16 يونيو (حزيران): بدء الجولة الثانية التي تنافس فيها الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان، والفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك.
* 24 يونيو: إعلان فوز الرئيس السابق محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية.
* 30 يونيو: مرسي يؤدي اليمين الدستورية أمام أعضاء المحكمة الدستورية العليا.
* 8 يوليو (تموز): مرسي قرر إلغاء قرار حل مجلس الشعب ويدعوه للانعقاد.
* 10 يوليو: أوقفت المحكمة الدستورية قرار مرسي بعودة مجلس الشعب.
* 22 نوفمبر: مرسي يصدر إعلانا دستوريا يمنح فيه لنفسه سلطات مطلقة، مما أثار غضب القوى السياسية في البلاد.
* 8 ديسمبر (كانون الأول): إعلان دستوري جديد لإلغاء إعلان مرسي، أبقى على آثار الإعلان السابق.
* 15 ديسمبر: الاستفتاء على دستور 2012 الذي هيمن الإسلاميون على الجمعية التأسيسية التي وضعته.
* 23 يونيو 2013: الفريق أول عبد الفتاح السيسي يمهل القوى السياسية أسبوعا للتوصل إلى حل سياسي قبل انطلاق مظاهرات دعت لها حملة تمرد، لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
* 30 يونيو: ملايين المصريين يتظاهرون على امتداد البلاد تأييدا لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
* 1 يوليو: الجيش يمهل القوى السياسية 48 ساعة للتوافق قبل التدخل.
* 3 يوليو: قادة الجيش تتوافق مع القوى السياسية والرموز الدينية في البلاد على عزل مرسي، وتعديل دستور 2012، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

قصر الاتحادية في سطور

* اللقاء مع الرئيس المصري عدلي منصور جرى في قصر رئاسة الجمهورية، أو «قصر الاتحادية»، الذي يقع في ضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة. هذا القصر الذي صمّمه المهندس المعماري البلجيكي إرنست غاسبار، عُرف أيضا بقصر هليوبوليس - نسبة إلى مصر الجديدة حيث مقره - وهو يعتبر مقر العمل الرسمي لرئيس الجمهورية المصري، وفيه يستقبل الرئيس زواره الرسميين أفرادا ووفودا.
دشّن القصر في بداية أمره ليكون فندقا فاخرا، وعرف باسم «هليوبوليس بالاس» وافتتحته الشركة الفرنسية المالكة في أول ديسمبر (كانون الأول) من عام 1910، وكان يومذاك باكورة فنادقها الفاخرة في أفريقيا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تلك الشركة هي «شركة سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس»، التي تحول اسمها لاحقا إلى شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير. وكان قد أسسها عام 1906 البارون إدوار أمبان وبوغوص نوبار نوباريان - ابن نوبار باشا رئيس وزراء مصر الأسبق.
تولت تشييد القصر شركتا إنشاءات كانتا في حينه الأكبر، هما شركة ليو رولان وشركاه، وشركة بادوفا دينتامارو وفيرو، بينما أوكلت إلى شركة سيمنز - شوكرت الألمانية مهمة التوصيلات الكهربائية والتجهيزات. وضم الفندق - القصر 400 غرفة بالإضافة إلى 55 شقة خاصة وقاعات ضخمة، وأثثت غرفه يومذاك بأثاث فاخر جله من الطرازين الفرنسيين «لويس الرابع عشر» (لوي كاتورز) و«لويس الخامس عشر» (لوي كانز)، أما القاعة المركزية الكبرى فقد كانت مكلفة؛ حيث وضعت بها ثريات ضخمة من الكريستال كانت الأضخم في عصرها وكانت تحاكي الطراز الشرقي.
اعتبر الفندق من أفخم الفنادق في عصره، ولفت معماره المتميز أنظار زوار مصر، وأصبح عامل جذب سياحي للعديد من الشخصيات الملكية في مصر وخارجها إضافة إلى رجال الأعمال الأثرياء وكان من ضمن نزلاء القصر ميلتون هيرشي، مؤسس ومالك شركة هيرشي الأميركية للشيكولاته، والمصرفي العالمي جي بي مورغان. ولقد عاصر القصر الحربين العالميتين الأولى والثانية، ووفدت إليه خلالهما شخصيات بارزة وافدة، كما تحول في بعض الفترات من الحربين إلى مستشفى عسكري، كما كان لبعض الوقت مقرا لتجمع الضباط من قبل سلطة الاحتلال البريطاني في مصر.
وخلال عقد الستينات من القرن الماضي استعمل القصر، الذي هُجر بعد فترة من التأميم، مقرا لعدة إدارات ووزارات حكومية. وفي يناير (كانون الثاني) 1972 خلال فترة رئاسة الرئيس الأسبق الراحل أنور السادات اختير القصر مقرا لما عرف بـ«اتحاد الجمهوريات العربية» الذي ضم آنذاك كلا من مصر وسوريا وليبيا، ومنذ ذلك الوقت عرف باسمه الحالي غير الرسمي «قصر الاتحادية» أو «قصر العروبة».

- الجزء الأول من الحوار على هذا الرابط.

http://beta.aawsat.com/home/article/5348



«هجوم سوشيالي» على «كوشنر» بعد دعوته لإخراج الفلسطينيين من غزة

فلسطينيون ينزحون من رفح (إ.ب.أ)
فلسطينيون ينزحون من رفح (إ.ب.أ)
TT

«هجوم سوشيالي» على «كوشنر» بعد دعوته لإخراج الفلسطينيين من غزة

فلسطينيون ينزحون من رفح (إ.ب.أ)
فلسطينيون ينزحون من رفح (إ.ب.أ)

أثارت تصريحات صهر وكبير مستشاري الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، جاريد كوشنر، حول تهجير أهالي غزة إلى صحراء النقب أو مصر، «هجوماً سوشيالياً» على المسؤول الأميركي السابق، بعد انتشار مقاطع فيديو خاصة بمحاضرة ألقاها في جامعة «هارفارد» الشهر الماضي.

وقال كوشنر إن «ممتلكات الواجهة البحرية في غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة... إذا تمكن الناس من التركيز على بناء سبل العيش»، فيما تحدث عن أهمية «أن تبذل قصارى جهدها لنقل الناس من المنطقة وتنظيف القطاع».

واقترح كبير مستشاري الرئيس الأميركي السابق، «تجريف شيء ما في النقب وإخراج أكبر عدد من المدنيين من غزة، وإنشاء منطقة آمنة هناك، ومن ثم الدخول وإنهاء المهمة»؛ في إشارة لرفضه جهود الوساطة من أجل وقف إطلاق النار، معتبراً أنه من خلال «الدبلوماسية الصحيحة قد يكون من الممكن إدخال الفلسطينيين إلى مصر».

ورفضت مصر في أكثر من مناسبة تهجير الفلسطينيين، سواء بالنزوح داخلياً أو بالتهجير خارج أراضيهم، لا سيما الأراضي المصرية في سيناء، مع التأكيد على أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية يكمن في تحقيق السلام الشامل والعادل على أساس حل الدولتين، وفقاً للمرجعيات الدولية المعتمدة.

ولاقت تصريحات كوشنر التي نشرتها وسائل إعلام أميركية مؤخراً من بينها «سي إن إن»، ردود فعل غاضبة عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وتفاعل معها عدد من الشخصيات العامة من بينهم علاء مبارك نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك عبر منصة «إكس».

ووصف مبارك الابن تصريحات المسؤول الأميركي السابق بـ«الصادمة والمستفزة والخسيسة»، وعَدّ كوشنر «مراهقاً سياسياً يتحدث عن فرص استثمارية بغزة في ظل جرائم القتل والتدمير والإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين».

وأبرز علاء مبارك في حديثه عبر «إكس» تصريحات تلفزيونية للنائب الديمقراطي عن ولاية فيرجينا، جيري كونولي الذي وصف حديث كوشنر بأنه «بغيض لأبعد من الخيال» ويعبر عن «تطهير عرقي»، خاصة مع حديثه عن «استغلال الواجهة البحرية في غزة وكأنها قطعة أرض في ولاية أميركية يريد تطويرها، في حين أن هناك 31 ألف فلسطيني قتلوا».

وشارك حساب باسم الدكتور حسام الدجني عبر «إكس» منتقداً موقف كوشنر، مُعِدّاً أن الحديث يأتي «منفصلاً عن أي منطق وحق إنساني».

فيما انتقد حساب باسم أحمد عادل في تدوينة عبر «إكس» حديث مختلف الأطراف عن غزة، بينما لم يضع الشعب الفلسطيني في الاعتبار عند الحديث عن أرضه.

ويرى الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد سيد أحمد أن تصريحات كوشنر تعكس «وجود تيار سياسي داخل الولايات المتحدة يرفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويسعى لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم بشكل قسري، عبر استغلال أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) لتنفيذ المخطط القديم بتفريغ قطاع غزة من السكان وتحويله لمكان لا يمكن العيش فيه، بوصفه جزءاً من مخطط تصفية القضية الفلسطينية وتغيير التركيبة الديموغرافية للسكان».

وأضاف أحمد لـ«الشرق الأوسط» أن مخططات التهجير القسري في نظر القانون الدولي بمثابة «جريمة حرب» ولا يمكن القبول بها تحت أي شكل من الأشكال، وهو الموقف الذي تمسكت به مصر والدول العربية بشكل واضح من اللحظة الأولى، لافتاً إلى أن هذه المخططات التي عبر كوشنر عن جزء منها باتت تبحث اليوم عن مسارات بديلة هدفها الرئيسي تصفية القضية الفلسطينية بإخراج أهالي غزة من أراضيهم.

ووصف حساب باسم إيمي كمال تصريحات كوشنر بـ«الإجرامية المثيرة للاشمئزاز»، مع التنديد بالحديث عن التوطين في سيناء بوصفه «أمراً واقعاً يسهل تحقيقه».


«لحوم الخيول» تعود للواجهة في مصر مع ارتفاع أسعار «البلدي»

أسعار اللحوم البلدية في مصر شهدت ارتفاعات متتالية (الشرق الأوسط)
أسعار اللحوم البلدية في مصر شهدت ارتفاعات متتالية (الشرق الأوسط)
TT

«لحوم الخيول» تعود للواجهة في مصر مع ارتفاع أسعار «البلدي»

أسعار اللحوم البلدية في مصر شهدت ارتفاعات متتالية (الشرق الأوسط)
أسعار اللحوم البلدية في مصر شهدت ارتفاعات متتالية (الشرق الأوسط)

وسط ارتفاع أسعار اللحوم حالياً في مصر، عادت «لحوم الخيول» إلى الواجهة من جديد، لتثير حالة من الجدل والهلع بين المصريين، بعد واقعة القبض على جزارين في إحدى قرى محافظة المنوفية (في دلتا النيل) بتهمة ذبح الخيول وبيع لحومها على أنها لحوم بلدية، حيث لم تكن هي الواقعة الأولى التي تشهدها مصر، بعد أن تكررت وقائع مماثلة خلال الأشهر الماضية.

وشهدت مصر خلال الأشهر الفائتة ارتفاعات متتالية في أسعار اللحوم البلدية الحية والمذبوحة، ليتخطى لحم العجول البقري المذبوحة 400 جنيه (الدولار يساوي 47.40 جنيه مصري).

وتسجل أسعار اللحوم الكندوز ما بين 400 و450 جنيهاً، والجملي ما بين 300 و350 جنيهاً للكيلوغرام. ويشهد شهر رمضان زيادة في أسعار اللحوم تقدَّر بنحو 10 في المائة، متأثرةً بارتفاع وزيادة الطلب على الشراء، حسب شعبة القصابين بالغرفة التجارية بالقاهرة.

وكشفت تفاصيل الواقعة الأخيرة، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية، قيام جزارَين باستئجار منزل داخل قرية علام بمدينة قويسنا (57 كم شمال القاهرة)، وإحضار الخيول وذبحها وبيع لحومها، ومع شك أهالي القرية بعد ملاحظاتهم تكرار إحضار الخيول إلى المنزل ثم اختفاءها أبلغوا الشرطة التي تمكنت من ضبط الجزارَين متلبسَين، وأكدا أنهما من القاهرة، مدافعَين عن نفسيهما بأن «ذبح الخيول حلال».

كانت دار الإفتاء المصرية قد أكدت في فتوى سابقة، رداً على البعض المتسائلين، أن أكل لحم الحصان يجوز شرعاً، مؤكدةً أنه لا يوجد في الدين ما ينهى عن أكل لحم الحصان.

ومع ما أثارته الواقعة الأخيرة من اهتمام، إلا أنها لم تكن الأولى من نوعها؛ ففي يوليو (تموز) عام 2022، ضُبط محل جزارة في مدينة الخصوص بمحافظة القليوبية يذبح الخيول ويسلخها ويفرم لحومها ويوزعها على محال بيع الأكلات السريعة، وهي الواقعة التي وصلت إلى البرلمان المصري، حيث تقدم أحد النواب بطلب إحاطة، مطالباً الحكومة بتكليف جميع المحافظين على مستوى الجمهورية بتكثيف حملات التفتيش على مختلف محلات الجزارة والمطاعم للتأكد من سلامة اللحوم والأكل داخل المطاعم.

تلا ذلك في مارس (آذار) 2023 ضبط مواطن أجنبي في مدينة المنصورة كان يبيع لحوم الخيول على أنها لحوم جاموس، وبسعر زهيد، حيث استغل ارتفاع أسعار اللحوم واستطاع أن يجذب الناس إليه ببيع كيلوغرام اللحم بـ160 جنيهاً فقط، فيما كان يباع في الأسواق بما بين 220 و250 جنيهاً.

وفي مايو (أيار) 2023 ألقت الأجهزة الأمنية بمحافظة الجيزة، القبض على جزار داخل محل جزارة بمنطقة الطالبية متلبساً في أثناء قيامه بذبح حصان داخل المحل استعداداً لبيعه للمواطنين على أنه لحوم بلدية، والحصول على أرباح من وراء ذلك، والطريف أن الجزار مارس ذبح الخيول نحو عامين، أوهم خلالها أهالي المنطقة بعمل عروض وتخفيض أسعار اللحوم، وكان دائماً ما يردد: «عشان الغلابة تاكل»!

ومن بعدها في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، ألقت الأجهزة الأمنية بمدينة بنها، عاصمة محافظة القليوبية، القبض على شخصين في أثناء قيامهما بإنهاء حياة أحد الخيول، حيث تم التحفظ على بقايا لحوم الحصان المضبوط وهيكل عظمي آخر، قبل أن يُخلى سبيلهما بعد ذلك بكفالة مالية.

ويرى رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» في مصر، محمود العسقلاني، أن تكرر تلك الوقائع خلال الفترات الماضية يعود إلى الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار اللحوم في مصر بشكل مبالغ فيه على مدار عام مضى، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «قبل عام كان سعر كيلوغرام اللحوم 200 جنيه، لكن الآن يصل إلى ضعف هذه القيمة ويزيد، لذا جاء تكرار وقائع بيع لحم الخيول ردَّ فعل من جانب بعض الجزارين بحثاً عن وسيلة لتحقيق المكسب السريع، حيث يحاولون بطرق ملتوية تقليل التكلفة، لأنه عند زيادة السعر يُحجم الجمهور عن الشراء، مما يعني ضَعف البيع وبالتالي خسارة الجزار، وهو ما دعا بعض الجزارين إلى إغلاق محالهم».

ويلفت العسقلاني إلى أنه في الأغلب تكون الخيول التي يلجأ إليها هؤلاء الجزارون كبيرة في السن أو مريضة، مما يقلل من سعرها ويسلط الضوء أيضاً على خطورة ذلك على صحة المواطنين الذين ينخدعون بشراء تلك اللحوم.

ولتجنب تلك الوقائع، يطالب رئيس «مواطنون ضد الغلاء» الحكومة بالتوسع في طرح اللحوم للجمهور، وكذلك دعم وزارتي التموين والزراعة الجزارين بتوفير رؤوس الماشية لهم بسعر مناسب، حتى لا يُضطر بعضهم إلى اللجوء إلى البدائل.


العليمي: تصعيد الحوثيين بحرياً مزايدة بأوجاع الفلسطينيين

تقول الحكومة اليمنية إن الحوثيين يستغلون الحرب في غزة لتبييض جرائمهم بحق المدنيين (أ.ف.ب)
تقول الحكومة اليمنية إن الحوثيين يستغلون الحرب في غزة لتبييض جرائمهم بحق المدنيين (أ.ف.ب)
TT

العليمي: تصعيد الحوثيين بحرياً مزايدة بأوجاع الفلسطينيين

تقول الحكومة اليمنية إن الحوثيين يستغلون الحرب في غزة لتبييض جرائمهم بحق المدنيين (أ.ف.ب)
تقول الحكومة اليمنية إن الحوثيين يستغلون الحرب في غزة لتبييض جرائمهم بحق المدنيين (أ.ف.ب)

أعلن الجيش الأميركي تدمير أربع طائرات مسيّرة حوثية فوق البحر الأحمر، وذلك في أحدث عملية تصدٍ للهجمات التي تنفذها الجماعة المدعومة من إيران للشهر الخامس على التوالي.

جاء ذلك في وقت وصف فيه رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي تصعيد الجماعة الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن بأنه مجرد مزايدة بأوجاع الشعب الفلسطيني بدعم إيراني، داعياً القوات الأمنية إلى رفع اليقظة تحسباً لأي احتمال.

وأوضحت القيادة المركزية الأميركية في بيان على منصة «إكس» أن قواتها نجحت بين الساعة 2:00 و2:20 صباحاً (بتوقيت صنعاء) في 27 مارس (آذار)، في الاشتباك وتدمير أربع طائرات من دون طيار بعيدة المدى أطلقها «الإرهابيون الحوثيون المدعومون من إيران».

وبحسب البيان، كانت هذه الطائرات من دون طيار تستهدف سفينة حربية أميركية، حيث شاركت السفينة في الدفاع عن النفس فوق البحر الأحمر، ولم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات أو أضرار للسفن الأميركية أو قوات التحالف.

وأضاف البيان أنه «تقرر أن هذه الأسلحة تمثل تهديداً وشيكاً للسفن التجارية وسفن البحرية الأميركية في المنطقة، وأنه يتم اتخاذ هذه الإجراءات لحماية حرية الملاحة وجعل المياه الدولية أكثر أماناً».

الإعلان الأميركي عن صد الهجمات جاء قبل ساعات عن عبور سفن حربية روسية عدة مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر، حيث نقلت «رويترز» عن الإعلام العسكري الروسي قوله إن الطراد «فارياج» والفرقاطة «مارشال شابوشنيكوف» يشاركان في الرحلة.

وكانت تقارير أفادت بأن الحوثيين أرسلوا تطمينات إلى موسكو وبكين بشأن سلامة سفنهما في البحر الأحمر وخليج عدن؛ وهو الأمر الذي كان الكرملين علق بأنه «لم يسمع عنه شيئاً».

مسيّرة حوثية فوق البحر الأحمر دمّرتها سفينة فرنسية (أ.ف.ب)

وفي ظل التصعيد البحري الحوثي والضربات الغربية المضادة، كان إعلام الجماعة الحوثية، أقرّ، الأربعاء، بتلقي غارة وصفها بالأميركية والبريطانية، استهدفت موقعاً في منطقة القطينات التابعة لمديرية باقم في محافظة صعدة حيث معقل الجماعة.

ولم يتبن الجيش الأميركي على الفور تنفيذ الغارة، إلا أنه يشنّ منذ 12 يناير (كانون الثاني) ضربات شبه يومية للحد من قدرات الحوثيين، إلى جانب عمليات التصدي للهجمات التي يشارك فيها الأوروبيون.

وتأمل الولايات المتحدة أن تقود جهودها إلى تحجيم قدرة الجماعة الحوثية وحماية السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تشن الجماعة منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن، وهدّدت بتوسيعها إلى المحيط الهندي في سياق مزاعمها بأنها تساند الفلسطينيين في غزة من خلال منع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل، وكذا السفن الأميركية والبريطانية.

وأُصيبت 16 سفينة على الأقل، خلال الهجمات الحوثية، إلى جانب قرصنة «غالاكسي ليدر» واحتجاز طاقمها حتى الآن، وتسببت إحدى الهجمات، في 18 فبراير (شباط) الماضي، في غرق السفينة البريطانية «روبيمار» بالبحر الأحمر بالتدريج.

كما تسبّب هجوم صاروخي حوثي في السادس من مارس الحالي في مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس».

يتخوف اليمنيون من عودة الحرب في ظل جمود عملية السلام (رويترز)

وتبنّت الجماعة حتى الآن مهاجمة نحو 80 سفينة. في حين أطلقت واشنطن تحالفاً دولياً، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سمّته «حارس الازدهار»؛ لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها على الأرض.

ويشارك الاتحاد الأوروبي - من جهته – في التصدي للهجمات عبر مهمة «أسبيدس»، التي أطلقها في منتصف فبراير الماضي، وتشارك فيها فرنسا، وألمانيا، وهولندا، وإيطاليا واليونان، دون شنّ ضربات على الأرض، كما تفعل الولايات المتحدة وبريطانيا.

ومنذ تدخل الولايات المتحدة عسكرياً، نفذت، مئات الغارات على الأرض؛ أملاً في تحجيم قدرات الحوثيين العسكرية، أو لمنع هجمات بحرية وشيكة. وشاركتها بريطانيا في 4 موجات من الضربات الواسعة.

رفع اليقظة الأمنية

على وقع تصعيد الحوثيين البحري، عقد رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي في عدن اجتماعاً موسعاً بقيادة وزارة الداخلية ورؤساء المصالح الأمنية ومديري عموم الشرطة في المحافظات، داعياً إلى رفع اليقظة لمواجهة أي احتمالات.

وأشار العليمي إلى أن اللقاء مع قادته الأمنيين يأتي وسط ظروف محلية وإقليمية معقدة وغير مسبوقة، حيث يواجه اليمن تحديداً أكثر من غيره من البلدان، انعكاسات أمنية واقتصادية خطيرة مع استمرار تصعيد الحوثيين على مختلف الجبهات، أو من خلال تداعيات هجماتهم التي وصفها بـ«الإرهابية» على المنشآت النفطية والأمن البحري.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني مجتمعاً في عدن مع القادة الأمنيين (سبأ)

ونقل الإعلام الرسمي عن رئيس مجلس الحكم اليمني قوله: «إن التداعيات الاقتصادية على الأوضاع الإنسانية، ضاعفت من عبء المؤسسة الأمنية في حماية السلم الاجتماعي؛ لأنه كلما توافرت الظروف المعيشية المعقولة للمواطنين، انعكس ذلك في سلوكيات المجتمع، واهتماماته، وبالتالي تحسين أمنه وفرص رقيه وتقدمه».

وأوضح العليمي أن الموقف الرئاسي والحكومي كان منحازاً على الدوام إلى جانب مصالح الشعب اليمني، وتخفيف معاناته وتحسين ظروفه المعيشية، «بينما اختارت الميليشيات الحوثية الذهاب إلى تصعيد جديد عبر البحار والمزايدة بأوجاع الشعب الفلسطيني بغطاء ودعم من النظام الإيراني».

وأضاف: «حين نتحدث عن هذه الانعكاسات المدمرة للتطورات الإقليمية فإنما نشير أيضاً إلى التهديدات الإرهابية المتزايدة في الداخل المتمخضة عن هذه المزايدة والتعبئة المفضوحة باسم القضية الفلسطينية العادلة».

وفي حين شدد العليمي على أن فرص استقرار العمل من الداخل مرهون دائماً بدور المؤسسة الأمنية والأجهزة الاستخبارية المختلفة، دعا إلى رفع اليقظة الدائمة تحسبا لأي تهديدات.

وقال إن الرهان على المؤسسة الأمنية: «لن يتزعزع لإحداث الفارق في إطار مجتمعاتنا المحلية وفي سياق معركتنا المركزية لاستعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الإرهابية».


مصر تكشف موعد عمل «الضبعة النووية»

تركيب مصيدة قلب المفاعل في نوفمبر الماضي (هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء في مصر)
تركيب مصيدة قلب المفاعل في نوفمبر الماضي (هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء في مصر)
TT

مصر تكشف موعد عمل «الضبعة النووية»

تركيب مصيدة قلب المفاعل في نوفمبر الماضي (هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء في مصر)
تركيب مصيدة قلب المفاعل في نوفمبر الماضي (هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء في مصر)

كشفت مصر عن موعد تشغيل أول محطة نووية، تدشنها في مدينة الضبعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بالتعاون مع روسيا.

وقال الدكتور أمجد الوكيل، رئيس هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء في مصر، في تصريحات له، نشرت (الخميس)، إن التشغيل التجريبي للمفاعل الأول بالمحطة سيبدأ خلال النصف الثاني من 2027، بينما ينتظر أن يبدأ التشغيل التجاري للمفاعل في سبتمبر (أيلول) 2028، على أن يتبعه تدشين باقي وحدات المفاعل.

وتتألف «محطة الضبعة» من 4 مفاعلات نووية، قدرة الواحد منها 1200 ميغاواط، بإجمالي قدرة 4800 ميغاواط.

وأوضح الوكيل، على هامش منتدى «Atom expo 2024» الذي يعقد في مدينة سوتشي بروسيا الاتحادية، أن المشروع سيوفر بين 7.2 و7.7 مليار متر مكعب غاز سنوياً عقب تشغيل كامل وحدات المحطة النووية.

وأشار المسؤول المصري إلى أن من عقود مشروع محطة الضبعة النووية المبرمة مع الجانب الروسي عقد التعامل مع الوقود النووي المستنفد، الذي بموجبه سيتم تخزين الوقود النووي في حاويات خاصة لذلك، والتي تصل مدة التخزين بها لأكثر من 60 عاماً.

وكانت مصر، وقّعت في عام 2015، مع شركة «روساتوم» الحكومية الروسية اتفاق تعاون لإنشاء المحطة بتكلفة تبلغ 25 مليار دولار، قدمتها موسكو قرضاً حكومياً ميسّراً للقاهرة. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2017 وقّع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، الاتفاقات النهائية لبناء محطة الضبعة خلال زيارة الرئيس الروسي العاصمة المصرية.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، شهد السيسي وبوتين، مراسم صب الهيكل الخرساني لوحدة الكهرباء بمحطة الضبعة، عبر شبكة «الفيديو كونفرنس».


«اليونيفيل» قلقه إزاء تصاعد أعمال العنف عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية

دورية لقوات «اليونيفيل» قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)
دورية لقوات «اليونيفيل» قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)
TT

«اليونيفيل» قلقه إزاء تصاعد أعمال العنف عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية

دورية لقوات «اليونيفيل» قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)
دورية لقوات «اليونيفيل» قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)

عبرت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان «اليونيفيل»، اليوم الخميس، عن قلقها البالغ إزاء تصاعد أعمال العنف عبر الخط الأزرق، مما أودى بحياة عدد كبير من المدنيين.

وحثت «اليونيفيل»، عبر منصة «إكس»، جميع الأطراف على وقف التصعيد على الفور، و«بدء العمل نحو حل سياسي ودبلوماسي مستدام».

وأكدت القوة التابعة للأمم المتحدة أنها على استعداد لدعم هذه العملية بأي طريقة، بما في ذلك من خلال عقد «اجتماع ثلاثي، بناء على طلب الأطراف».

ووفق «وكالة أنباء العالم العربي»، في وقت سابق، اليوم، أفادت وزارة الخارجية اللبنانية بأن بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة ستقدم شكوى إلى مجلس الأمن ضد «المجازر» الإسرائيلية في قرى الجنوب، ولا سيما الهبارية والناقورة وبعلبك، والتي راح ضحيتها أكثر من 18 شخصاً بين مدنيين ومسعفين، خلال أيام.

ويتبادل الجيش الإسرائيلي وجماعة «حزب الله» اللبنانية القصف، بشكل شبه يومي منذ اندلاع الحرب بقطاع غزة، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

في السياق ذاته، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي إن «استعادة الهدوء على طول الحدود أمر في غاية الأهمية بالنسبة للرئيس بايدن وللإدارة، ونعتقد أن ذلك يجب أن يكون أيضا الأولوية القصوى لكل من لبنان وإسرائيل».


«الأمم المتحدة» تندد بالهجمات «غير المقبولة» على العاملين الصحيين في جنوب لبنان

قلق أممي بشأن الهجمات المتكررة على المرافق الصحية والعاملين الصحيين الذين يخاطرون بحياتهم لتقديم المساعدة في لبنان (إ.ب.أ)
قلق أممي بشأن الهجمات المتكررة على المرافق الصحية والعاملين الصحيين الذين يخاطرون بحياتهم لتقديم المساعدة في لبنان (إ.ب.أ)
TT

«الأمم المتحدة» تندد بالهجمات «غير المقبولة» على العاملين الصحيين في جنوب لبنان

قلق أممي بشأن الهجمات المتكررة على المرافق الصحية والعاملين الصحيين الذين يخاطرون بحياتهم لتقديم المساعدة في لبنان (إ.ب.أ)
قلق أممي بشأن الهجمات المتكررة على المرافق الصحية والعاملين الصحيين الذين يخاطرون بحياتهم لتقديم المساعدة في لبنان (إ.ب.أ)

أعربت «الأمم المتحدة»، اليوم (الخميس)، عن قلقها جرّاء الهجمات المتكررة و«غير المقبولة» على المرافق الصحية والعاملين الصحيين الذين يخاطرون بحياتهم في جنوب لبنان، وذلك غداة مقتل 10 مسعفين في غارات إسرائيلية.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، قال منسق «الأمم المتحدة» للشؤون الإنسانية في لبنان، عمران ريزا، في بيان: «أدت الأحداث المروعة التي وقعت خلال الـ36 ساعة الماضية إلى خسائر كبيرة»، مضيفاً: «قُتل ما لا يقل عن 11 مدنياً في يوم واحد، من بينهم 10 مسعفين».

وتابع: «أشعر بقلق بالغ بشأن الهجمات المتكررة على المرافق الصحية والعاملين الصحيين الذين يخاطرون بحياتهم لتقديم المساعدة الطارئة لمجتمعاتهم المحلية».

مساء الأربعاء، نعى «حزب الله» 4 من مقاتليه واثنين من مسعفي «الهيئة الصحية الإسلامية» التابعة له، فيما نعت «حركة أمل» اثنين من عناصرها، بينهم مسعف في «جمعية كشافة الرسالة الإسلامية» المرتبطة بها، قضوا في ضربات على بلدَتي الناقورة وطير حرفا.

وأعلن «حزب الله» اللبناني قصف مدينتَي غورن وشلومي الإسرائيليتين «بالأسلحة الصاروخية والمدفعية» رداً على «اعتداءات العدو الإسرائيلي المدنية، خصوصاً مجزرة الناقورة، والاعتداء على بلدة طير حرفا والطواقم الطبية فيها».

وقضى 7 مسعفين آخرين، ليل الثلاثاء - الأربعاء، في غارة إسرائيلية على مركز إسعافي تابع لـ«الجماعة الإسلامية» في بلدة الهبّارية، جنوب لبنان.

ولعديد من الأحزاب والفصائل في لبنان جمعيات صحية وإسعافية تابعة لها.

وأشار ريزا إلى أن «الهجمات على مرافق الرعاية الصحية تنتهك القانون الإنساني الدولي، وهي غير مقبولة».

ويجري قصف متبادل بشكل شبه يومي عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية بين «حزب الله» اللبناني، حليف «حماس»، والجيش الإسرائيلي، منذ اندلاع الحرب بين الدولة العبرية والحركة الفلسطينية في قطاع غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول).

وتشنّ إسرائيل منذ أسابيع غارات جوّية أكثر عمقاً داخل الأراضي اللبنانيّة تستهدف مواقع لـ«حزب الله»، ما يزيد المخاوف من اندلاع حرب مفتوحة.

وذكّر المسؤول الأممي بأن قواعد الحرب تشمل «حماية المدنيين، بمن فيهم العاملون في مجال الرعاية الصحية».

وشدّد على ضرورة «حماية البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المرافق الصحية».

ومنذ بداية تبادل القصف بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، قُتل في لبنان 346 شخصاً على الأقلّ، معظمهم مقاتلون في «حزب الله»، إضافة إلى 68 مدنياً، بحسب حصيلة أعدّتها وكالة الصحافة الفرنسية استناداً إلى بيانات الحزب ومصادر رسمية لبنانية.


«الكوليرا» يتفشى في صنعاء ويهدد حياة المعتقلين لدى الحوثيين

تتفشى الأوبئة في مناطق سيطرة الحوثيين بسبب الحرب ضد اللقاحات (رويترز)
تتفشى الأوبئة في مناطق سيطرة الحوثيين بسبب الحرب ضد اللقاحات (رويترز)
TT

«الكوليرا» يتفشى في صنعاء ويهدد حياة المعتقلين لدى الحوثيين

تتفشى الأوبئة في مناطق سيطرة الحوثيين بسبب الحرب ضد اللقاحات (رويترز)
تتفشى الأوبئة في مناطق سيطرة الحوثيين بسبب الحرب ضد اللقاحات (رويترز)

مع تأكيد منظمة دولية عدم قدرتها على السيطرة على تفشي مرض الحصبة في ضواحي مدينة تعز، كشفت مصادر طبية يمنية وسكان عن انتشار وباء الكوليرا في العاصمة اليمنية المختطَفة صنعاء، وقالت إن الوباء امتد إلى سجون مخابرات الجماعة، وهو ما يعني تهديداً لحياة المئات منهم.

المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» ذكرت أن القائمين على إدارة سجون الحوثيين أبلغوا عائلات المعتقلين خلال الأسبوع الحالي بمنع الزيارات أو إدخال الطعام لذويهم، بسبب تفشي وباء الكوليرا داخل المعتقلات، بينما أكَّدت مصادر عاملة في القطاع الطبي تسجيل آلاف الإصابات، وقالت إن الجماعة تتكتَّم على الأمر، فيما تستقبل المستشفيات العامة والخاصة عشرات الحالات يومياً.

ملايين الأطفال اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين عرضة للأمراض الفتّاكة (أ.ب)

وكانت «منظمة الصحة العالمية» أكدت، في تقرير لها، نهاية العام الماضي، تسجيل أكثر من 7 آلاف حالة مشتبَه في إصابتها بالكوليرا في اليمن خلال عام 2023، وقالت إن إجمالي الوفيات المبلَّغ عنها 9 حالات وفاة مرتبطة بالمرض، مع معدل إماتة للحالات يبلغ أكثر من 1 في المائة، فيما تبلغ معدلات الإصابة 23 حالة لكل 100 ألف شخص.

وأعادت «منظمة الصحة العالمية» السبب الرئيسي لانتشار الوباء إلى الإجهاد الشديد الذي تعاني منه البنية التحتية للرعاية الصحية، وتدهور الظروف الاقتصادية في البلاد، بالإضافة إلى الانخفاض المتزايد في تغطية التحصين الشاملة وقيود الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، وقالت إن هذا كله جعل البلاد وسكانها عرضة بدرجة كبيرة لتفشي الأمراض، خصوصاً تلك التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل الكوليرا والدفتيريا والحصبة وشلل الأطفال.

خوف من التصفية

أفادت مصادر في عائلات المعتقلين في سجون الحوثيين لـ«الشرق الأوسط» بأنها أوقفت إرسال الأطعمة لأقاربها في المعتقلات حتى لا تترك للحوثيين ذريعة لتصفيتهم تحت مبرر أنهم تناولوا أطعمة ملوَّثة أُرسلت لهم، أو أنهم أُصيبوا بأمراض وبائية نتيجة تناولهم تلك الأطعمة.

ورغم أن السجناء يشكون بشكل دائم من تردّي نوعية الوجبات الغذائية التي تُقدَّم لهم وعدم كفايتها، رأت المصادر في موت التربوي صبري الحكيمي أكبر دليل على استهتار الحوثيين بحياة المعارضين، لأنهم أَمِنوا العقاب.

يتجاهل الحوثيون الوضع الصحي المتردي وينفقون الأموال على التعبئة والاستقطاب (إ.ب.أ)

وذكرت المصادر أن الجماعة رفضت حتى الآن تسليم جثمان الحكيمي، وهو كبير مسؤولي التدريب في وزارة التربية والتعليم الذي فارق الحياة في أحد السجون إلى أسرته، رغم أن الجماعة أبلغت عائلته بوفاته قبل عدة أيام، وطلبت حضور مَن يمثلهم لتسلم الجثمان، دون أن تكشف أسباب الوفاة، بحجة عدم استكمال الإجراءات.

من جهته، وصف النائب المعارض أحمد سيف حاشد ما يجري فيما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» الحوثي بأنه «مريع وفظيع»، ودعا إلى إخضاع السجون والمعتقلات للجهات التي تراقب تنفيذ القوانين، والتي لم يُسمَح لها بالنزول وزيارة المعتقلات سوى مرة واحدة خلال 9 أعوام. وقال إنه عرف محامياً تم حبسه في زنزانة انفرادية خمسة أشهر، دون أن يتم توجيه تهمة له أو يُحال للمحاكمة.

وأكد النائب المعارض أن معتقلاً آخر أمضى 4 سنوات في سجن مخابرات الحوثيين، قبل أن ينتهي به الحال إلى قرار من النيابة بأنه لا وجه لإقامة الدعوى ضده». وجزم بأن ما يصل إلى الناس من انتهاكات سوى النادر، ويمثل واحداً في الألف من قضايا الانتهاكات.

الحصبة تتمدد

ذكرت منظمة «أطباء بلا حدود» أن مستشفى تديره في مناطق سيطرة الحوثيين بضواحي مدينة تعز سجل 1500 حالة إصابة بمرض الحصبة بين أطفال أعمارهم دون سن الرابعة، رغم مضي 7 أشهر على افتتاح وحدة العزل الخاصة بالمرض.

وأوضحت المنظمة أن وحدة العزل الخاصة بمرض الحصبة التي افتتحتها في أغسطس (آب) الماضي، بمستشفى الأم والطفل في منطقة الحوبان، بضواحي مدينة تعز استقبلت، حتى فبراير (شباط)، 1552 حالة إصابة بالحصبة، أغلبها لأطفال دون سن الرابعة.

يعاني الأطفال في اليمن من سوء التغذية إلى جانب الأمراض التي تهدد حياتهم (رويترز)

ونبَّهت المنظمة في تقرير لها إلى أن حالات الإصابة بمرض الحصبة بدأت تشهد ارتفاعاً مقلقاً بين الأطفال في النصف الثاني من العام الماضي، حيث استقبلت وحدة العزل بين أغسطس (آب) وديسمبر (كانون الأول) الماضي 1332 طفلاً مصاباً بالمرض، 85 في المائة منهم دون سن الرابعة، وفي شهر فبراير الماضي استقبلت الوحدة 220 إصابة جديدة.

وبحسب المنظمة، فإن الحصبة مرض متوطّن في المنطقة التي تعمل فيها، وكان فريقها الطبي يعاين في العادة ما معدله 8 مرضى كل شهر في مستشفى الأم والطفل بمنطقة الحوبان التي يسيطر عليها الحوثيون «إلا أن هذا النمط بدأ بالتغير في يونيو (حزيران) الماضي، وفجأة بدأت الأعداد تتزايد بشكل مقلق، مع وصول أطفال من مختلف مديريات المحافظة».

وقالت رئيسة الفريق الطبي لمنظمة «أطباء بلا حدود» في المستشفى، إي إي خاي، إنهم يستقبلون كثيراً من الأطفال الذين يعانون من حالات معقدة من الحصبة «وهو عدد لم أشهده من قبل في حياتي»، ورغم أن هذا المرض يمكن الوقاية منه، فإن نسبة التطعيم بين الأطفال الذين يُعالجون من الحصبة لا تتجاوز 16 في المائة. وحذرت الطبيبة من أنه إذا لم يتم احتواء انتقال الحصبة، فإن الأطفال في هذه المنطقة سيعانون من كثير من الأمراض التي قد تصبح قاتلة.

يعيش ملايين اليمنيين على المساعدات المقدَّمة من المنظمات الإغاثية (أ.ف.ب)

وذكرت خاي أن الأطفال دون سن الخامسة يتأثرون بشكل خاص بالحصبة، لأن أجهزتهم المناعية ليست متطورة بما يكفي لمقاومة العدوى. وتوقعت استمرار المرض في الانتشار، لأنه، وبعد مرور ستة أشهر على افتتاح وحدة العزل لتجنب خطر انتقال الفيروس، لا يوجد انحسار في طفرة حالات الإصابة.

وأضافت أن جهود معالجة العدوى واحتوائها يبدو أنها محدودة للغاية، ولا تشير التوقعات إلى انخفاض بالإصابات في وقت قريب.


سفن حربية روسية تدخل البحر الأحمر

الفرقاطة «مارشال شابوشنيكوف» (متداولة)
الفرقاطة «مارشال شابوشنيكوف» (متداولة)
TT

سفن حربية روسية تدخل البحر الأحمر

الفرقاطة «مارشال شابوشنيكوف» (متداولة)
الفرقاطة «مارشال شابوشنيكوف» (متداولة)

قال أسطول المحيط الهادي الروسي، اليوم (الخميس)، إن عدة سفن حربية روسية عبَرت مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر، وذلك وسط الهجمات التي يشنها الحوثيون في اليمن على سفن تجارية.

ونقلت قناة «زفيزدا» التلفزيونية التابعة لوزارة الدفاع الروسية، عن الأسطول قوله إن الطراد «فارياج» والفرقاطة «مارشال شابوشنيكوف» يشاركان في الرحلة، حسبما ذكرت وكالة «رويترز» للأنباء.


«الرئاسي اليمني» يقيّم الأداء... والزنداني وزيراً للخارجية

دخان يتصاعد إثر ضربة غربية استهدفت موقعاً حوثياً في صنعاء (رويترز)
دخان يتصاعد إثر ضربة غربية استهدفت موقعاً حوثياً في صنعاء (رويترز)
TT

«الرئاسي اليمني» يقيّم الأداء... والزنداني وزيراً للخارجية

دخان يتصاعد إثر ضربة غربية استهدفت موقعاً حوثياً في صنعاء (رويترز)
دخان يتصاعد إثر ضربة غربية استهدفت موقعاً حوثياً في صنعاء (رويترز)

تحدث إعلام الجماعة الحوثية في اليمن عن تلقي ضربة في صعدة، الأربعاء، وصفها بالأميركية والبريطانية، وذلك غداة تبني الجماعة مهاجمة ست سفن غربية في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي حين شدد مجلس القيادة الرئاسي اليمني - من جهته - على أهمية الالتزام بمبادئ الحكم الرشيد وتكافؤ الفرص، صدر قرار رئاسي قضى بتعيين شائع الزنداني وزيراً للخارجية وشؤون المغتربين، خلفاً لأحمد عوض بن مبارك الذي كان تم تعيينه في وقت سابق رئيساً للحكومة اليمنية.

وشغل الزنداني حتى تعيينه، منصب سفير اليمن لدى السعودية، وهو أكاديمي من الجيل المخضرم في الدبلوماسية اليمنية، حيث شغل منصب السفير في دول عربية وأوروبية، كما سبق له أن شغل منصب نائب وزير الخارجية في حكومات يمنية سابقة.

وأفاد الإعلام الرسمي بأن مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عقد اجتماعاً برئاسة رشاد العليمي، وبحضور أعضاء المجلس عيدروس الزبيدي، وعبد الرحمن المحرمي، وعبد الله العليمي، وعثمان مجلي، وفرج البحسني، بينما غاب بعذر عضوا المجلس سلطان العرادة وطارق صالح.

ونقلت وكالة «سبأ» أن اجتماع مجلس الحكم وقف أمام تطورات الأوضاع الاقتصادية، والمعيشية، والسياسية، والأمنية والعسكرية، والإجراءات التنفيذية المطلوبة لمواصلة وفاء الدولة بالتزاماتها الحتمية خلال المرحلة المقبلة.

وطبقاً للوكالة «ناقش مجلس القيادة الرئاسي، عدداً من المقترحات والتقارير المقدمة من رئيس المجلس وأعضائه بشأن بعض الاستحقاقات المؤجلة، والتقييمات الإضافية للأداء التنفيذي خلال المرحلة الماضية ومدى الالتزام بقرارات وتوصيات وموجهات المجلس على مختلف المستويات».

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وشدد «الرئاسي اليمني» على ضرورة الالتزام الصارم باللوائح والنظم القانونية، واعتماد مبادئ الحكم الرشيد، والعدالة وتكافؤ الفرص في مؤسسات الدولة كافة بما يحقق المصلحة العامة، ويعزز من فاعلية وشفافية ونزاهة الأجهزة الحكومية، وقدرتها على مواجهة التحديات، والتخفيف من معاناة المواطنين التي فاقمتها هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية.

غارة في معقل الحوثيين

في ظل التصعيد البحري الحوثي والضربات الغربية المضادة، أقرّ إعلام الجماعة، الأربعاء، بتلقي غارة وصفها بالأميركية والبريطانية، استهدفت موقعاً في منطقة القطينات التابعة لمديرية باقم في محافظة صعدة حيث معقل الجماعة.

ولم يشر الإعلام الحوثي إلى تفاصيل أخرى في شأن آثار الغارة، كما لم يتبن الجيش الأميركي على الفور تنفيذها، إلا أنه يشن منذ 12 يناير (كانون الثاني) ضربات شبه يومية للحد من قدرات الحوثيين، إلى جانب عمليات التصدي للهجمات التي بات يشارك فيها الأوروبيون.

وإذ تأمل الولايات المتحدة أن تقود جهودها إلى تحجيم قدرة الجماعة الحوثية وحماية السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، كانت فرضت، الثلاثاء، عقوبات جديدة تتعلق بمكافحة الإرهاب على وسطاء ماليين وتجاريين على علاقة بجماعة الحوثي و«فيلق القدس» الإيراني و«حزب الله» اللبناني.

وبحسب وزارة الخزانة الأميركية، استهدفت العقوبات ستة كيانات وفرداً وناقلتين، قالت إنهم شاركوا في تسهيل شحنات السلع والمعاملات المالية.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في بيان: «سنواصل استخدام الأدوات المتاحة لدينا لاستهداف أولئك الذين يشحنون البضائع غير المشروعة لصالح الجماعات الإرهابية».

وتأتي هذه التطورات مع تعاظم الشكوك في الشارع اليمني حول إمكانية جنوح الحوثيين للسلام، ووسط المخاوف من عودة القتال على نطاق واسع إذا لم تتمكن المساعي الأممية من احتواء التصعيد.

وكان المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية يحيى سريع، تبنى في بيان، الثلاثاء، تنفيذ ست هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد سفن، بينها مدمرتان أميركيتان، في خليج عدن والبحر الأحمر خلال 72 ساعة.

تتهم الحكومة اليمنية الحوثيين بتنفيذ أجندة إيران (إ.ب.أ)

وتشن الجماعة الحوثية منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن وهددت بتوسيعها إلى المحيط الهندي في سياق مزاعمها بأنها تساند الفلسطينيين في غزة من خلال منع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل، وكذا السفن الأميركية والبريطانية.

وأُصيبت 16 سفينة على الأقل، خلال الهجمات الحوثية، إلى جانب قرصنة «غالاكسي ليدر» واحتجاز طاقمها حتى الآن، وتسببت إحدى الهجمات، في 18 فبراير (شباط) الماضي، في غرق السفينة البريطانية «روبيمار» بالبحر الأحمر بالتدريج.

كما تسبّب هجوم صاروخي حوثي في السادس من مارس (آذار) الحالي في مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس».

وتبنّت الجماعة حتى الآن مهاجمة نحو 80 سفينة. في حين أطلقت واشنطن تحالفاً دولياً، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سمّته «حارس الازدهار»؛ لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها على الأرض.

وأطلق الاتحاد الأوروبي - من جهته - مهمة «أسبيدس»، في منتصف فبراير (شباط) الماضي، وتشارك حتى الآن في المهمة فرنسا، وألمانيا، وهولندا، وإيطاليا واليونان، دون شن ضربات ضد الحوثيين، كما تفعل الولايات المتحدة وبريطانيا.

ومنذ تدخل الولايات المتحدة عسكرياً، نفذت، مئات الغارات على الأرض؛ أملاً في تحجيم قدرات الحوثيين العسكرية، أو لمنع هجمات بحرية وشيكة. وشاركتها بريطانيا في 4 موجات من الضربات الواسعة.


معسكرات الصيف الحوثية تتربّص بمستقبل اليمنيين

تشير بعض التقارير الدولية إلى أن 4.5 مليون طفل يمني لا يذهبون إلى المدارس (منظمة حماية الطفولة)
تشير بعض التقارير الدولية إلى أن 4.5 مليون طفل يمني لا يذهبون إلى المدارس (منظمة حماية الطفولة)
TT

معسكرات الصيف الحوثية تتربّص بمستقبل اليمنيين

تشير بعض التقارير الدولية إلى أن 4.5 مليون طفل يمني لا يذهبون إلى المدارس (منظمة حماية الطفولة)
تشير بعض التقارير الدولية إلى أن 4.5 مليون طفل يمني لا يذهبون إلى المدارس (منظمة حماية الطفولة)

تستعد الجماعة الحوثية لإنهاء العام الدراسي في مناطق سيطرتها بعد أيام قليلة، بالتزامن مع تحضيراتها المكثفة لإطلاق المراكز الصيفية التي تتربص بمستقبل أطفال اليمن، حيث تحشد عدداً كبيراً منهم للمشاركة في برامجها، بعدما أقدمت على تغيير التقويم الدراسي خلال الأعوام الماضية.

يبدأ العام الدراسي في مناطق سيطرة الجماعة منتصف الصيف، لينتهي مع بدايات الربيع، لإتاحة المجال لتنظيم المراكز الصيفية التي تستخدمها الجماعة للترويج لمشروعها، وتقديم دروس ومناهج مستمدة من منشوراتها وأدبياتها ذات المضمون الطائفي.

جندت الجماعة الحوثية خلال الأشهر الماضية آلاف المراهقين ضمن حملاتها لحشد المقاتلين بزعم نصرة غزة (إعلام حوثي)

أعلن قطاع التربية والتعليم التابع للجماعة منذ ثلاثة أسابيع بدء إجراءات التحضير لاختبارات نهاية العام الدراسي الحالي. ومن المقرر أن تبدأ اختبارات الشهادتين الأساسية والثانوية بعد عيد الفطر بأسبوعين، وهي الفترة نفسها التي تعتزم فيها الجماعة إطلاق المراكز الصيفية.

تقول مصادر تربوية إن مكاتب التعليم التابعة للجماعة في محافظات صنعاء وعمران وحجة والمحويت وجهت المدارس بالبدء بتسجيل الطلاب والطالبات في المراكز الصيفية، وتتوقع أن تكون التوجيهات شملت باقي المحافظات.

التحضيرات للمراكز الصيفية هذا العام تتضمن وفق المصادر ذاتها تحديثاً للمناهج الدراسية المقدمة حول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومزاعم الجماعة بمناصرة أهالي القطاع بتنفيذ هجماتها على الملاحة في البحر الأحمر، وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل.

وتأتي المراكز الصيفية التي تنظمها الجماعة هذا العام بعد أن تمكنت من حشد وتجنيد آلاف الأطفال تحت اسم مناصرة غزة، وسط تحذيرات دولية وأممية من أن الخطر يحدق بجيل بأكمله في اليمن.

وتفيد تصريحات قيادات حوثية بتجنيد أكثر من 70 ألف مقاتل جديد تحت اسم مناصرة غزة، في حين تحدث زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي عن أن مخرجات الورش والدورات التدريبية التي نظمتها جماعته في الشأن ذاته شملت أكثر من 282 ألف متدرب، وتنظيم 350 عرضا عسكريا، و719 مناورة و652 مسيرا عسكريا.

فتيات خارج التعليم

منذ أكثر من عامين هجرت سمية بشير المدرسة وبدأت العمل ضمن مشروع إعداد طعام منزلي مع زميلات لها في العاصمة صنعاء، رغم أن والدتها تعمل معلمة، ووالدها موظف عمومي في قطاع النقل؛ لكن انقطاع رواتب الموظفين العموميين أجبر العائلة على القبول بالأمر الواقع.

يتعرض الأطفال النازحون في اليمن للحرمان من التعليم أكثر من غيرهم (أ.ف.ب)

يقول بشير والد سمية، وكلاهما اسمان مستعاران، إن عائلته اضطرت إلى القبول بالأمر الواقع بعد نقاشات كثيرة مع ولديه، فهو اضطر للعمل في محل تجاري، بينما تعمل زوجته في مدرسة خاصة بمقابل لا يساوي حتى ثلث راتبها المتوقف منذ ما يقارب الثمانية أعوام، بينما تتزايد متطلبات الحياة، ومنها مصاريف دراسة هشام في الجامعة وسمية في الثانوية.

وسمية واحدة من بين ما يقرب من مليون ومائتي ألف فتاة في سن الدراسة باليمن خارج المدرسة الآن، بسبب الفقر، والصراع، ونقص فرص التعلم، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (يونيسيف) أواخر العام الماضي، بينما ذكرت أخيراً أن 30 في المائة من الفتيات في اليمن يتسربن من التعليم بسبب الزواج المبكر.

اضطرت العائلة للموافقة على اقتراح سمية أن تتوقف عن الدراسة لعام أو عامين على الأكثر مقابل أن تشارك في مشروع الطعام المنزلي ريثما يكمل شقيقها دراسته الجامعية، لينتقل الدور إليه بعد ذلك في تحمل المسؤولية والعمل ومساعدتها في إكمال تعليمها.

يتسبب الزواج المبكر في حرمان الفتيات في اليمن من إكمال تعليمهن بالإضافة إلى عوامل أخرى (الأمم المتحدة)

ويخشى والدا سمية أن تغري العوائد التي تحصل عليها ابنتهما من عملها في عدم إكمال تعليمها، ويشعر الاثنان بالخجل أمام المحيط الاجتماعي لاضطرارهما قبول تحملها جزءاً كبيراً من المسؤولية في هذه السن المبكرة وهجرة التعليم، خصوصاً وأن والدتها قضت ما يقارب العقدين من عمرها في التعليم.

وارتفع إجمالي الأطفال المتسربين من المدارس وفقاً لليونيسيف خلال أعوام الحرب من 890 ألف طفلة وطفل في عام 2015، إلى 2.7 طفلة وطفل خلال العام الماضي، بينما تقدر الحكومة اليمنية عدد الذين لا يذهبون إلى المدارس بـ2.6 مليون طفل وطفلة منهم 1.4 مليون من الأطفال النازحين.