بيكا إيما
طالبة ماجستير السياسات الدولية، مختصة في دراسات الشرق الأوسط. لها تجربة طويلة في السفر عبر العالم وعملت لعدة سنوات في مجال العمل المصرفي في منطقة الشرق الأوسط
TT

ريادة المشاريع في الشرق الأوسط: مخاطرة أم مكافأة؟

"الذين يتحدون المعيار يكون لهم آراء أصيلة تدفع بالنقاش الى الأمام ويتصرفون بصلابة وتصميم"، إنه تعريف يلائم كل من يمتلك موهبة في ريادة المشاريع، وهو يجمع بين صور الطاقة والعاطفة الموجهة نحو هدفٍ معين. كما يمكن أن يصف التعريف بدقة الكثيرون ممن وجدوا أنفسهم في خضم الربيع العربي.
منذ انطلاق شرارة الحركات الشعبية عبر العالم العربي ولا ينقطع الجدل الحرج حول تمكين الشباب من لعب دور سياسي والبطالة المتزايدة وسط الشباب في الدوائر الأكاديمية. وقد لاحظ الكثيرون أن ديناميكية المجتمعات العربية تتغير، وقد بدأ صانعو السياسة ورجال الأعمال القياديون بأخذ ذلك في الاعتبار. ولكن هل تعتبر هذه القوة الدافعة الجديدة مخاطرة سياسية أم مصدراً لفرصة غير مستغلة؟
يمثل الشباب في الفئة العمرية ما بين 14 و24 ما يقل قليلاً عن خمس سكان العالم، لكنهم يمثلون أكثر من 40% من مجمع البطالة في العالم. لا شك أن البيانات من المنتدى الاقتصادي العالمي توضح أن 341 مليون شخص هم خارج العمل أو التعليم في الدول النامية. أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا فيعاني واحد من كل أربعة شبان من البطالة وأكثر من نصف السكان تحت عمر 25 سنة. وبالمثل فان ما يُقارب 16.7 مليون شاب أوروربي هم خارج العمل، وتشير التقارير الى ان بعض الدول الأوروربية مثل اليونان وإسبانيا لا يجد أكثر من نصف السكان فرصاً للعمل، ويُعتبر هذا مأساوياً مع كثير من المقالات التي تصف جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية "الجيل اكس" بـ"الجيل الضائع". تبدو الفرص المهنية للشباب في العالم شحيحة وضيقة وقاتمة. على كل حال فهم لا يمثلون "الجيل الضائع" فحسب كما لا يجب أن تقتصر النظرة لهم بوصفهم "خطراً سياسياً" فقط. بينما يجب إعطاء الاهتمام العاجل للأعداد الكبيرة من العاطلين، كما لا يجب ان تتجاهل الاستجابة السياسية السريعة للفرص الكبيرة وسط هذا العالم الصغير من الاضطراب المحتمل.
جرى التعامل مع البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بعدة طرق، فلقد رأينا زيادة الرواتب (لمنع الاستنزاف القطاعي)، وكذلك زيادة التوظيف في القطاع الحكومي. لكن كل ذلك يؤثر على مقدرة مؤسسات القطاع الخاص التنافسية، حيث لن يستطيعوا دفع رواتب منافسة. وقد يقلل ذلك من الابتكار والتنافسية العالمية، وفوق هذا وذاك هناك جدل عميق ما اذا كان توسيع القطاع العام مفيدا للنمو الاقتصادي.
بغض النظر عن هذا، تتوقع منظمة العمل الدولية ارتفاع معدلات البطالة في منطقة الشرق الأوسط الى 28.4 في المائة بحلول سنة 2017. أما بحلول سنة 2020 فيُتوقع أن يوفر متخذو القرار والقطاع الخاص حوالي 80 الى 100 مليون وظيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا فقط. مع توقع ارتفاع الفئة العمرية تحت 25 سنة، كم من الوقت تستطيع الدول امتصاص هذه المقدرات الإضافية؟ هذا لا يزال موضع جدل.
هناك حاجة الى مسار جديد، مسار يأخذ التركيبة الثقافية والسمات الشخصية لشباب اليوم في الاعتبار.
ظل الشرق الأوسط لآلاف السنين موطناً للكثير من المفكرين والمبتكرين والعديد ممن تمتعوا بروح ادارة المشاريع. كل ما يحتاجه المرء هو تأمل الأعمال العمرانية العظيمة أو معرفة تطور منطقة الخليج العربي من رمال الصحراء الى مراكز تجارية عالمية، ليدرك ما تتمتع به المنطقة من مواهب. وهذا صحيح بالنسبة لليوم كما هو صحيح بالنسبة لفترة ما قبل النفط. وأظهرت دراسة حديثة أن الشباب هم أكثر الناشطين في مجال الأعمال. وينطبق هذا بصفة خاصة على دول الخليج العربي. فعلى سبيل المثال فحصت دراسة معينة أجرتها شبكة "جي إي إم" المجالات الرئيسة للأعمال بالنسبة للإماراتيين وتوصلت الى أن حوالي 80 في المائة ينظرون الى الأعمال بوصفها خيارا مهنيا جيدا، وأن 60 في المائة يسعون الى فرص أعمال على المدى القصير.
تعتبر منطقة الشرق الأوسط في موقع جيد نسبياً لرعاية المواهب أيضاً.
وكشفت دراسة حديثة لشبكة "جي أي إم" أن 17.3 في المائة من الشباب في أوروبا يعتقدون بتوفر فرص تجارية جيدة وأنهم يتمتعون بالمهارات والمعرفة اللازمة للشروع في أعمال تجارية.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا يتضاعف هذا الرقم تقريباً. إضافة الى ذلك فعلى الرغم من ان حوالي ثلثي الشباب في أوروربا يعتقدون أن البدء في عمل تجاري فرصة مهنية جيدة، إلا أن هذه الأرقام تتضاءل مقارنة بأرقام اندادهم في الشرق الأوسط، حيث يرى ثلاثة أرباعهم أن البدء في عمل تجاري جديد أمر طيب. كما يبدو أن من ينشأون في الشرق الأوسط هم أقل خوفاً من الفشل: فالذين تتراوح أعمارهم بين 18-35 سنة في الاتحاد الأوروبي، من المحتمل أن يجيبوا بأن الخوف من الفشل يمنعهم من بداية عمل تجاري أكثر من امثالهم في أي مكان آخر بالعالم.
يصادف يوم الاثنين 18 نوفمبر (تشرين الثاني) بداية الأسبوع العالمي لريادة المشاريع لسنة 2013. وهو عبارة عن حملة لمدة خمسة أيام يشارك فيها أكثر من 7.5 مليون شخص في فعاليات عبر 130 بلداً، والهدف هو دعم وتطوير المشاريع التجارية الطموحة، وخلق فرص تجارية جديدة والأهم من ذلك تشجيع "مهنية ريادة المشاريع". ويركز موضوع هذه السنة على تمكين المشاريع الوليدة من اتخاذ "خطوة الى الأمام". وحظيت المبادرة بمشاركة واسعة.
وستشهد منطقة الخليج بالفعل فعاليات متنوعة من معرض "إكسبو دبي" العالمي الى "جي إي دبليو عُمان" الذي يستضيفه المركز الوطني للأعمال. ولعل هذه اشارة جيدة لما سيأتي.
إن الشباب العربي متعلم ومفعم بالطاقة ويمتلك الموهبة. ومن المناسب بالتأكيد القول إن الشباب العربي يمتلك "روح ريادة المشاريع". بالنظر إلى ان 8 في المائة من البالغين منخرطون في مراحل أولى من مشاريع تجارية فمن الواضح أن ملاحظاات كريستوفر شرودر في كتابه "ابدأ وانت ناهض" صحيحة. فالمشاريع التجارية كثيراً ما تنطلق من الأسفل الى الأعلى، والشباب الذين تتاح لهم فرصة الحصول على التقنية من الواضح أنهم قادرون على أخذ زمام المبادرة. يمكن ترجمة ذلك في فوائد اقتصادية وتوظيفية للمنطقة ايضاً. إن النظرة العالمية والمشاركة النشطة في المبادرات التي ترعى ريادة المشاريع تعتبر بداية جيدة، ونأمل في أن تستمر.