وفيق السامرائي
ضابط متقاعد وخبير استراتيجيّ عراقيّ
TT

الولاية الثالثة وتحالف تفكيك العراق

معظم المعارضين الحاليين من العرب السنة للولاية الثالثة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، سبق لهم أن وافقوا بأريحية على الولاية الثانية، وتمتعوا بامتيازات خاصة ومواقع وزارية وحكومية كبيرة. ومع اختلاف المصالح الشخصية وغيرها انقلبت المعادلات وتحول كثير منهم إلى معارضين بعد فوات الأوان، وعندما يطلب هؤلاء تأييدهم فلا بد من تذكيرهم بواقع ما حصلوا عليه من مكاسب في ضوء مواقفهم السابقة، فالمتغيرات المؤثرة في مستقبل العراق والمنطقة غيرت الكثير من المواقف على اتجاهات متضادة.
وبدل أن يعمل المعنيون ممن أتت بهم ظروف استثنائية على تقوية التوجهات الليبرالية الوطنية، توجهوا إلى تفكيكها، لأسباب ترتبط بأوهام الزعامة ونتيجة إغواء خارجي، وقام أقطاب من هذه الكتلة بسلسلة زيارات خارجية إلى المحيط العربي وغيره، وكانت أبرز الزيارات تلك التي قام بها النجيفي رئيس كتلة «متحدون» إلى إيران وتردده المتكرر على تركيا. أما التواصل الإيراني مع الكتل الشيعية فلم يتوقف، لكنه شمل السنة أيضا، فالإيرانيون يجيدون فن التحرك على أكثر من اتجاه في آن واحد.
ويبدو الموقف الآن مشوشا نسبيا، فقد تحول بعض من يفترض أنهم وحدويون من «سنة عرب العراق» إلى التخندقات الطائفية والمناطقية تحت شعارات مختلفة، وأظهر جنوب العراق الشيعي تمسكا بوحدة العراق إلى درجة تثير الانتباه، غير أن أصحاب شعارات التفكيك يمثلون تجمعات صغيرة يغلب عليها طابع «الإخوان»، ظنا منهم أن التفكيك يتيح لهم فرصة حكم جزء مقتطع من العراق، تأسيسا على وهم، ولم يضعوا تجربة مصر وشمال أفريقيا و«درس السيسي» في حساباتهم، ولم يدركوا أنهم مقبلون على أن يطبق عليهم ما طبق على «رفاقهم» في مصر والخليج.
والغريب أن يلتقي هؤلاء من حملة فكر «الإخوان» - وبعضهم بسطاء غلبت عليهم الطيبة والسطحية - مع سياسيين غير محسوبين عليهم، بدعم ونصائح من خارج الحدود، ومن الطامعين في نفط العراق وثرواته، وهو تحالف يثير الريبة ويطرح تساؤلات كلها تؤسس لشكوك خطيرة، بحجة التصدي لمشروع ولاية المالكي الثالثة، وهم في الحقيقة يؤدون خدمة عظيمة له بإظهاره بموقع الخط المتقدم للدفاع عن وحدة العراق، وعندما يخير العراقيون بين وحدة بلادهم وأي مشروع آخر فإنهم يصطفون إلى جانب ما جبلوا عليه تمسكا بوحدة بلدهم. وعلى هامش العتب على ما أكتب، أشار أحد التابعين لفكر «الإخوان» إلى أن تقسيم العراق أصبح محتما!
وخلافا لقواعد وسياقات ومتطلبات المناورة، رفع سياسيون من السنة شعار وضع خطوط حمر أمام تجديد ولاية المالكي «بصورة علنية»، بينما تجنبت أطراف شيعية وكردية اتخاذ موقف كهذا، وقيل لهؤلاء السياسيين إنهم يفقدون بخطوطهم هذه القدرة على المناورة، التي تصبح فقط بين فريق المالكي ومعارضيه من الأكراد والشيعة، ويصبح العرب السنة خارج المعادلات إلى حد كبير، لا سيما أنهم متبعثرون ومختلفون ومخترقون، مع التأكيد على أن غالبية العرب السنة يتقاطعون سلبا مع توجهات «الإخوان». وعندما يقال للسياسيين الجدد إن من متطلبات المناورة الناجحة أن يحتفظ بغاطس عميق لها في بعض الجوانب، يلقون التهم بسذاجة، متناسين أنهم أصبحوا في وضع لا يحسدون عليه عربيا، وفي طريقهم ليلحقوا بـ«رفاقهم».
التدخلات الإقليمية في العراق تقودها تركيا وإيران حاليا، مع تراجع واضح في الدور العربي. وتبدو إيران أكثر تماسكا وهدوءا وثقة من الجار التركي، الحالم بإعادة ولايات «الباب العالي» على طول البلاد العربية وعرضها، ذلك الهدف الذي سيرتد سلبا على أوضاعهم في ظل إجراءات قسرية يراد فرضها على المعارضين الليبراليين ضمن حدود «الباب العالي». ومن مشكلات «الإخوان» العرب أنهم ضعفاء في الحسابات الاستراتيجية.
بقيت أمام البرلمانيين الجدد فترة قصيرة لمصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج، ليلتئم المجلس الجديد، وليس معقولا أن تعطي كتل شيعية وكردية تأييدها لمن حصل على أقل عدد من مقاعد البرلمان من السنة لمجرد طبخة مصالح، فالسنة يمثلهم كل وحدوي يقيم العدل والإنصاف ويبتعد عن الطائفية، ولا مجال لأي تحالف لـ«تفكيك العراق»، فمشروع خطير كهذا سيحول نهري دجلة والفرات إلى أنهار من الدم على حساب الأبرياء، والقصة ليست قصة حكم الآن، بل هي مرحلة تتطلب هزيمة كل قوى التفكيك، للمحافظة على العراق، وكل ما دون ذلك يمكن حله تدريجيا، خطوة خطوة.